nindex.php?page=treesubj&link=20043_28723_30526_32528_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=149إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء
* * *
بعد أن ذكر سبحانه وتعالى ما لا يحبه من الجهر بالسوء وأشار إلى الترخيص بالنطق به لدفع الظلم أو للقضاء على منكر من الأفعال أو زور من الأقوال، بين سبحانه وتعالى ما يحبه من الخير الإيجابي والخير السلبي ويكون بالعفو، فمعنى قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=149إن تبدوا خيرا أن الله سبحانه وتعالى يحب الخير في كل صوره، والخير هو عمل البر، والنفع الإنساني العام، فإن عملتوه فإنكم تعملون ما يحبه الله، فإن تبدوه وتظهروه وتعلنوه، أو تخفوه وتكتموه، فهو مقبول مجزي عليه في كلتا حاليه، فإن أظهرتموه للدعوة إليه، فإلى الخير تدعون، وإن أخفيتموه اتقاء لله ومنعا للرياء. سترا على ما تعطون فنعما تفعلون.
هذا فعل الخير الإيجابي، وفعل الخير السلبي هو
nindex.php?page=treesubj&link=20032_20034العفو عن الإساءة، والصفح الجميل عن الناس، فإن ذلك مما يحبه تعالى. ولقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:
"ما نقص مال من صدقة، وما زاد عبد بعفو إلا عزا، ومن تواضع لله رفعه [ ص: 1935 ] الله"، وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=199خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين [الأعراف].
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=149فإن الله كان عفوا قديرا موقعها من المعنى أنها تعليل لكلام مطوي تدل عليه إذ المؤدى: وما تفعلوا من خير وتبدوه أو تخفوه أو تعفوا عمن يسيء إليكم، فإنكم تقربون إلى الله تعالى، ويحبكم الله لأنه سبحانه عفو دائما وقدير على أخذ المسيء بإساءته، فتخلقوا بصفات الله تعالى، وله سبحانه المثل الأعلى. وهنا ملاحظات ثلاث:
الأولى: أن الآية الكريمة تفيد أن إبداء الخير محبوب، فهل يدخل في هذا الرياء; ونقول في ذلك إن الفعل النافع إذا قصد به الرياء لا يكون خيرا، بل يكون شركا، فلا يدخل تحت عنوان إبداء الخير، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول:
nindex.php?page=hadith&LINKID=697362nindex.php?page=treesubj&link=18692_18697_18710 "من صلى يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك، ومن تصدق يرائي فقد أشرك"، فهذا فعل خارج عن نطاق الخير، فلا يلتفت إليه، إذ لا يدخل في عمومه.
الثانية: أن
nindex.php?page=treesubj&link=20034العفو عن الأمر السيئ إنما يكون في حال ما إذا كانت الإساءة تمس شخص من يعفو، وهو بهذا بذل حقا خالصا له، أما إذا كان الأمر السيئ يتعلق بنظام في الإسلام، فلا يصح أن يترك، بل لا بد أن يقاوم، ولا يقال لتاركه إنه عفا، بل يقال عنه إنه قصر وترك الواجب.
الثالثة: أن
nindex.php?page=treesubj&link=20032الإسلام دعا إلى الصفح الجميل، فقال الله لنبيه:
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=85فاصفح الصفح الجميل [الحجر]، وهو الصفح من غير من. ولله تعالى ولرسوله المن والفضل.
[ ص: 1936 ] والآية جمعت مكارم الأخلاق، وقد قال في معناها فخر الدين الرازي: "اعلم أن معاقد الخير على كثرتها محصورة في أمرين: صدق مع الحق، وخلق مع الخلق، والذي يتعلق بالخلق محصور في قسمين: إيصال نفع إليهم، ودفع ضرر عنهم، فقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=149إن تبدوا خيرا أو تخفوه إشارة إلى إيصال النفع إليهم. وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=149أو تعفوا عن سوء إشارة إلى دفع الضرر عنهم، فدخل في هاتين الكلمتين جميع أنواع الخير، وأعمال البر". اهـ.
اللهم اهدنا لنفع الناس، وجنبنا ضرهم، واعف عنا فيما كان منا، واغفر لنا وارحمنا إنك غفور رحيم.
* * *
nindex.php?page=treesubj&link=20043_28723_30526_32528_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=149إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ
* * *
بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَا لَا يُحِبُّهُ مِنَ الْجَهْرِ بِالسُّوءِ وَأَشَارَ إِلَى التَّرْخِيصِ بِالنُّطْقِ بِهِ لِدَفْعِ الظُّلْمِ أَوْ لِلْقَضَاءِ عَلَى مُنْكَرٍ مِنَ الْأَفْعَالِ أَوْ زُورٍ مِنَ الْأَقْوَالِ، بَيَّنَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَا يُحِبُّهُ مِنَ الْخَيْرِ الْإِيجَابِيِّ وَالْخَيْرِ السَّلْبِيِّ وَيَكُونُ بِالْعَفْوِ، فَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=149إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُحِبُّ الْخَيْرَ فِي كُلِّ صُوَرِهِ، وَالْخَيْرُ هُوَ عَمَلُ الْبِرِّ، وَالنَّفْعُ الْإِنْسَانِيُّ الْعَامُّ، فَإِنَّ عَمِلْتُوهُ فَإِنَّكُمْ تَعْمَلُونَ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ، فَإِنْ تُبْدُوهُ وَتُظْهِرُوهُ وَتُعْلِنُوهُ، أَوْ تُخْفُوهُ وَتَكْتُمُوهُ، فَهُوَ مَقْبُولٌ مَجْزِيٌ عَلَيْهِ فِي كِلْتَا حَالَيْهِ، فَإِنْ أَظْهَرْتُمُوهُ لِلدَّعْوَةِ إِلَيْهِ، فَإِلَى الْخَيْرِ تَدْعُونَ، وَإِنْ أَخْفَيْتُمُوهُ اتِّقَاءً لِلَّهِ وَمَنْعًا لِلرِّيَاءِ. سَتْرًا عَلَى مَا تُعْطُونَ فَنِعِمَّا تَفْعَلُونَ.
هَذَا فِعْلُ الْخَيْرِ الْإِيجَابِيُّ، وَفِعْلُ الْخَيْرِ السَّلْبِيُّ هُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=20032_20034الْعَفْوُ عَنِ الْإِسَاءَةِ، وَالصَّفْحُ الْجَمِيلُ عَنِ النَّاسِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُحِبُّهُ تَعَالَى. وَلَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ:
"مَا نَقَصَ مَالٌ مِنْ صَدَقَةٍ، وَمَا زَادَ عَبْدٌ بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ [ ص: 1935 ] اللَّهُ"، وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=199خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الْأَعْرَافِ].
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=149فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا مَوْقِعُهَا مِنَ الْمَعْنَى أَنَّهَا تَعْلِيلٌ لِكَلَامٍ مَطْوِيٍّ تَدُلُّ عَلَيْهِ إِذِ الْمُؤَدَّى: وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ وَتُبْدُوهُ أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَمَّنْ يُسِيءُ إِلَيْكُمْ، فَإِنَّكُمْ تَقَرَّبُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَيُحِبُّكُمُ اللَّهُ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ عَفُوٌّ دَائِمًا وَقَدِيرٌ عَلَى أَخْذِ الْمُسِيءِ بِإِسَاءَتِهِ، فَتَخَلَّقُوا بِصِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَهُ سُبْحَانَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى. وَهُنَا مُلَاحَظَاتٌ ثَلَاثٌ:
الْأُولَى: أَنَّ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ تُفِيدُ أَنَّ إِبْدَاءَ الْخَيْرِ مَحْبُوبٌ، فَهَلْ يَدْخُلُ فِي هَذَا الرِّيَاءِ; وَنَقُولُ فِي ذَلِكَ إِنَّ الْفِعْلَ النَّافِعَ إِذَا قُصِدَ بِهِ الرِّيَاءُ لَا يَكُونُ خَيْرًا، بَلْ يَكُونُ شِرْكًا، فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ عُنْوَانِ إِبْدَاءِ الْخَيْرِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=697362nindex.php?page=treesubj&link=18692_18697_18710 "مَنْ صَلَّى يُرَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ، وَمَنْ صَامَ يُرَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ، وَمَنْ تَصَدَّقَ يُرَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ"، فَهَذَا فِعْلٌ خَارِجٌ عَنْ نِطَاقِ الْخَيْرِ، فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، إِذْ لَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِهِ.
الثَّانِيَةُ: أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=20034الْعَفْوَ عَنِ الْأَمْرِ السَّيِّئِ إِنَّمَا يَكُونُ فِي حَالِ مَا إِذَا كَانَتِ الْإِسَاءَةُ تَمَسُّ شَخْصَ مَنْ يَعْفُو، وَهُوَ بِهَذَا بَذَلَ حَقًّا خَالِصًا لَهُ، أَمَّا إِذَا كَانَ الْأَمْرُ السَّيِّئُ يَتَعَلَّقُ بِنِظَامٍ فِي الْإِسْلَامِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُتْرَكَ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يُقَاوَمَ، وَلَا يُقَالُ لِتَارِكِهِ إِنَّهُ عَفَا، بَلْ يُقَالُ عَنْهُ إِنَّهُ قَصَّرَ وَتَرَكَ الْوَاجِبَ.
الثَّالِثَةُ: أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=20032الْإِسْلَامَ دَعَا إِلَى الصَّفْحِ الْجَمِيلِ، فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=85فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ [الْحِجْرِ]، وَهُوَ الصَّفْحُ مِنْ غَيْرِ مَنٍّ. وَلِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ الْمَنُّ وَالْفَضْلُ.
[ ص: 1936 ] وَالْآيَةُ جَمَعَتْ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ، وَقَدْ قَالَ فِي مَعْنَاهَا فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُ: "اعْلَمْ أَنَّ مَعَاقِدَ الْخَيْرِ عَلَى كَثْرَتِهَا مَحْصُورَةٌ فِي أَمْرَيْنِ: صِدْقٌ مَعَ الْحَقِّ، وَخُلُقٍ مَعَ الْخَلْقِ، وَالَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْخَلْقِ مَحْصُورٌ فِي قِسْمَيْنِ: إِيصَالُ نَفْعٍ إِلَيْهِمْ، وَدَفْعُ ضَرَرٍ عَنْهُمْ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=149إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ إِشَارَةٌ إِلَى إِيصَالِ النَّفْعِ إِلَيْهِمْ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=149أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ إِشَارَةٌ إِلَى دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمْ، فَدَخَلَ فِي هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ، وَأَعْمَالِ الْبِرِّ". اهـ.
اللَّهُمَّ اهْدِنَا لِنَفْعِ النَّاسِ، وَجَنِّبْنَا ضُرَّهُمْ، وَاعْفُ عَنَّا فِيمَا كَانَ مِنَّا، وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا إِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
* * *