يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها
* * *
صور الله سبحانه وتعالى حالهم بهذا النص الكريم، وهو أنهم اجتمع لهم العذاب الشديد المؤلم، والرغبة في الخروج منه، ولكنه أمر لازم غير قابل للانفصال عنهم، فهم يريدون راغبين ملحفين أن يخرجوا من النار وعذابها الشديد، وكلما نضجت جلودهم بدلهم الله تعالى جلودا غيرها، وهم يريدون [ ص: 2166 ] الخروج منها ولو بالموت والفناء، ولكنهم ليسوا بخارجين منها، وقد عبر سبحانه وتعالى عن رغبتهم بالفعل، فقال سبحانه: يريدون أن يخرجوا من النار
أي أنهم يريدون أن يقع الخروج على أي صورة كان، فهم يطلبون الخروج من العذاب، ولو كان بعده الموت، وقد نفى الله تعالى الخروج بنفي الوصف، لا بنفي الفعل فقال: وما هم بخارجين أي أنه ليس من شأنهم أن يخرجوا، ولا يصح أن نثبت لهم وصف الخروج، لأن العذاب هو الجزاء الحق الوفاق لما ارتكبوا، فلا يسوغ أن يقع الخروج منه أبدا، وقد أكد سبحانه بقوله تعالى: ولهم عذاب مقيم
هذا النص الكريم يفيد دوام ذلك العقاب من غير زمن محدود، بل هو دائم ملازم ثابت، وهنا نصان كريمان متقابلان: أولهما: قوله تعالى: ولهم عذاب أليم قد وصف فيه العذاب صراحة بأنه مؤلم، وجاء الثبات من صيغة اللفظ بوزن فعيل، ثانيهما: هذا النص وقد وصف بالإقامة والاستمرار والدوام صراحة، وفهم الإيلام من التعبير بكلمة "عذاب".
ولا شك أن العذاب المؤلم الدائم هو الجزاء لمن فرط في أمر دنياه، وجعلها رجسا وفسوقا، فقد اشترى هذه الحياة الفانية، بالحياة الباقية، فكان حقا أن يجعل الله تعالى جزاءه أن يحرمه من كل ما في الحياة الآخرة من الخير، ويذيقه وبال أمره جزاء وفاقا لما قدمت يداه، واجترح من سيئات .. اللهم اكتب التوبة لنا، ولا تؤاخذنا بما يفعل السفهاء منا، واغفر لنا وارحمنا، إنك أنت الغفور الرحيم.
* * *