ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين
ذكر الله تعالى حال المشركين في الدنيا في لجاجتهم في الكفر، بإعراضهم عن الآيات البينات، وجحودهم للنبوة، ونهيهم غيرهم عن اتباعه ومجافاتهم له، وكان لابد من المقابلة بين هذه الحالة المنحرفة المتجافية عن الهداية، وحالهم يوم القيامة؛ إذ يعرضون على النار، ويقفون عليها، فذكر سبحانه مخاطبا النبي: إنك أيها النبي لو اطلعت عليهم ورأيت حالهم إذ وقفوا على النار واطلعوا عليها ورأوها تستقبلهم بلهيبها وسعيرها - لرأيت هولا عظيما يدفعهم لأن يتمنوا أن يعودوا إلى الدنيا ولا يكذبوا بآيات خالقهم ومنشئهم وكالئهم وحاميهم ويكونوا من المؤمنين، وفي الآية الكريمة إشارات بيانية، بذكرها نقرب ما في الآية من بلاغة رائعة:
الأولى: التعبير بـ: (إذ) التي تدل على الماضي بدل (إذا) التي تدل على المستقبل؛ وذلك لتأكيد الوقوع، وليستبين المستقبل حاضرا قائما، ويتصور على أساس أنه موجود لا على أنه سيوجد.
الثانية: أنه عبر بـ: (على) بدل (في) للإشارة إلى أن مجرد الاطلاع عليها، والعلم بها بالعيان يلقى في النفس بهولها وشدتها، فما بالك بالوقوع فيها.
الثالثة: أن (لو) شرطية، والجواب محذوف وتقديره: لو رأيتهم في هول وفزع وشدة فتمنوا أن يعودوا ويصلحوا.
الرابعة: أن التمني كان بالنداء لصيغته وهي (ليت) كأنه يقول: يا ليت أقبلي فهذا وقتك الذي نستغيث بك فيه; إذ لا نملك إلا التمني فهو أداتنا الوحيدة، وإن كانت أداة العاجزين.
[ ص: 2476 ] الخامسة: أن قوله تعالى: ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين فيه قراءتان؛ إحداهما: بنصب الباء والنون على أنها جواب التمني بإضمار محذوفه، والثانية: بضمها على تقدير محذوف، وتقدير الكلام هكذا: ليتنا نرد ونحن لا نكذب، ونكون أول المؤمنين، ويكون فيها فضل توكيد بذكر وعدهم بعدم التكذيب، وبأن يكونوا من المؤمنين.
السادسة: توكيد إيمانهم بأنهم يخرجون من صف أهل الشرك والكفر إلى صف المؤمنين الصادقين.