nindex.php?page=treesubj&link=30549_32409_33679_34336_28977nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=64قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون
أمر الله تعالى نبيه الكريم أن يبين لهم أن الله تعالى مستجيب لضراعتهم عند تضرعهم، والتجائهم إليه خفية، ووعدهم بأن يخلصوا عبادتهم لله ويشكروه على نعمائه المتضافرة المتكاثرة التي نعيش في ظلها دائما، وإن كان تعالت حكمته يعلم أنهم غير موفين لعهدهم، وأنهم ناكثون في أيمانهم، كما حكى سبحانه وتعالى عن طبيعة الإنسانية المنحرفة؛ إذ قال تعالت كلماته:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=12وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه
وإن الله تعالى بين أنه لا ينجيهم مما يعرض لهم من شدائد من خارجهم، وما لا قبل لهم به وحسب، بل ينجيهم من ذلك، وينجيهم من الكروب التي تعتري نفوسهم من ضراء تنزل بهم، أو مرض يحل بأجسامهم، ومن كل شيء يكربهم ويلقي غمة النفس عليهم، ولذلك قال سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=64ومن كل كرب ولقد فسر
الأصفهاني في مفرداته الكرب فقال: الكرب الغم الشديد.
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=76فنجيناه وأهله من الكرب العظيم والكربة كالغمة. وأصل ذلك من كرب الأرض وهو قلبها بالحفر، فالغم يثير النفس إثارة، ويصح أن يكون ذلك من كربت
[ ص: 2533 ] الشمس، أي: دنت للمغيب، ويستفاد من هذا أن الكرب غمة شديدة تصيب الإنسان من أمر نفسي يثير النفس، ويجعلها في قلق وحيرة واضطراب نفسي، ويقيم عليها، كمرض عزيز أو موته، أو ضرر أو فقد مال أو خسارة في تجارة، فالله تعالى هو المنجي منه، وبهذا تبين أن الله تعالى هو الذي ينجي خلقه من كل شيء، فهو القائم على كل شيء، ومع هذا الخير العميم، ومع استجابة الله تعالى لضراعتهم، والتجائهم إليه، وإنجائه لهم بالفعل بعد أقسموا إن نجاهم يشكرونه أي: يعبدونه وحده; لأنه الذي أنجاهم، وخلصهم مما هم فيه، مع هذا بمجرد أن يعودوا إلى الاطمئنان والاستقرار يشركون، ويحنثون في أيمانهم، ويعودون إلى ما كانوا عليه، بل إنهم يستمرون في غيهم يعمهون، وإنه كما قال بعض المفسرين: الأصل في السياق أن تكون حالهم حال من لا يشرك، فكان مقتضى الضراعة أن ينفي الله شركهم بعد قسمهم على الشكر والعبادة، ولكن عاد إليهم جحودهم; ولذا قال سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=64ثم أنتم تشركون أي: أن إذعانهم العارض لم يكن ساكنا في نفوسهم، بل هو أمر عارض، بسبب يزول بزواله، ولم يكن إذعان الذين خلصوا بنفوسهم، ويلاحظ بعد إشارات بيانية:
أولها: التعبير بـ: "ثم" ففيه إشارة إلى التفاوت الكبير بين حال ضراعتهم، وحال كفرهم، أو بعبارة أدق استمرار حالهم.
الثانية: أنه سبحانه عبر بالجملة الاسمية، وذلك تأكيد لشركهم الذي كان نقيض شكرهم الذي وعدوا به ونكثوا في وعدهم.
الثالثة: أنه عبر بالفعل المضارع الذي يصور حالهم ويدل على استمرارهم.
وبعد أن بين سبحانه وتعالى كمال سلطانه في النعم يمنحها ليرغبوا في الإيمان والإذعان، ذكر سبحانه قوته في القهر والعذاب.
nindex.php?page=treesubj&link=30549_32409_33679_34336_28977nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=64قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ
أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ الْكَرِيمَ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُسْتَجِيبٌ لِضَرَاعَتِهِمْ عِنْدَ تَضَرُّعِهِمْ، وَالْتِجَائِهِمْ إِلَيْهِ خُفْيَةً، وَوَعَدَهُمْ بِأَنْ يُخْلِصُوا عِبَادَتَهُمْ لِلَّهِ وَيَشْكُرُوهُ عَلَى نَعْمَائِهِ الْمُتَضَافِرَةِ الْمُتَكَاثِرَةِ الَّتِي نَعِيشُ فِي ظِلِّهَا دَائِمًا، وَإِنْ كَانَ تَعَالَتْ حِكْمَتُهُ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ غَيْرُ مُوفِينَ لِعَهْدِهِمْ، وَأَنَّهُمْ نَاكِثُونَ فِي أَيْمَانِهِمْ، كَمَا حَكَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ طَبِيعَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ الْمُنْحَرِفَةِ؛ إِذْ قَالَ تَعَالَتْ كَلِمَاتُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=12وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ
وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّهُ لَا يُنْجِيهِمْ مِمَّا يَعْرِضُ لَهُمْ مِنْ شَدَائِدَ مِنْ خَارِجِهِمْ، وَمَا لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهِ وَحَسْبَ، بَلْ يُنْجِيهِمْ مِنْ ذَلِكَ، وَيُنْجِيهِمْ مِنَ الْكُرُوبِ الَّتِي تَعْتَرِي نُفُوسَهُمْ مِنْ ضَرَّاءَ تَنْزِلُ بِهِمْ، أَوْ مَرَضٍ يَحِلُّ بِأَجْسَامِهِمْ، وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ يَكْرُبُهُمْ وَيُلْقِي غُمَّةَ النَّفْسِ عَلَيْهِمْ، وَلِذَلِكَ قَالَ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=64وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ وَلَقَدْ فَسَّرَ
الْأَصْفَهَانِيُّ فِي مُفْرَدَاتِهِ الْكَرْبَ فَقَالَ: الْكَرْبُ الْغَمُّ الشَّدِيدُ.
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=76فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ وَالْكُرْبَةُ كَالْغُمَّةِ. وَأَصْلُ ذَلِكَ مِنْ كَرْبِ الْأَرْضِ وَهُوَ قَلْبُهَا بِالْحَفْرِ، فَالْغَمُّ يُثِيرُ النَّفْسَ إِثَارَةً، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ كَرُبَتِ
[ ص: 2533 ] الشَّمْسُ، أَيْ: دَنَتْ لِلْمَغِيبِ، وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْكَرْبَ غُمَّةٌ شَدِيدَةٌ تُصِيبُ الْإِنْسَانَ مِنْ أَمْرٍ نَفْسِيٍّ يُثِيرُ النَّفْسَ، وَيَجْعَلُهَا فِي قَلَقٍ وَحَيْرَةٍ وَاضْطِرَابٍ نَفْسِيٍّ، وَيُقِيمُ عَلَيْهَا، كَمَرَضِ عَزِيزٍ أَوْ مَوْتِهِ، أَوْ ضَرَرٍ أَوْ فَقْدِ مَالٍ أَوْ خَسَارَةٍ فِي تِجَارَةٍ، فَاللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُنَجِّي مِنْهُ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الَّذِي يُنْجِي خَلْقَهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَهُوَ الْقَائِمُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَمَعَ هَذَا الْخَيْرِ الْعَمِيمِ، وَمَعَ اسْتِجَابَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِضَرَاعَتِهِمْ، وَالْتِجَائِهِمْ إِلَيْهِ، وَإِنْجَائِهِ لَهُمْ بِالْفِعْلِ بَعْدَ أَقْسَمُوا إِنْ نَجَّاهُمْ يَشْكُرُونَهُ أَيْ: يَعْبُدُونَهُ وَحْدَهُ; لِأَنَّهُ الَّذِي أَنْجَاهُمْ، وَخَلَّصَهُمْ مِمَّا هُمْ فِيهِ، مَعَ هَذَا بِمُجَرَّدِ أَنْ يَعُودُوا إِلَى الِاطْمِئْنَانِ وَالِاسْتِقْرَارِ يُشْرِكُونَ، وَيَحْنَثُونَ فِي أَيْمَانِهِمْ، وَيَعُودُونَ إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ، بَلْ إِنَّهُمْ يَسْتَمِرُّونَ فِي غَيِّهِمْ يَعْمَهُونَ، وَإِنَّهُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: الْأَصْلُ فِي السِّيَاقِ أَنْ تَكُونَ حَالُهُمْ حَالَ مَنْ لَا يُشْرِكُ، فَكَانَ مُقْتَضَى الضَّرَاعَةِ أَنْ يَنْفِيَ اللَّهُ شِرْكَهُمْ بَعْدَ قَسَمِهِمْ عَلَى الشُّكْرِ وَالْعِبَادَةِ، وَلَكِنْ عَادَ إِلَيْهِمْ جُحُودُهُمْ; وَلِذَا قَالَ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=64ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ أَيْ: أَنَّ إِذْعَانَهُمُ الْعَارِضَ لَمْ يَكُنْ سَاكِنًا فِي نُفُوسِهِمْ، بَلْ هُوَ أَمْرٌ عَارِضٌ، بِسَبَبٍ يَزُولُ بِزَوَالِهِ، وَلَمْ يَكُنْ إِذْعَانُ الَّذِينَ خَلَصُوا بِنُفُوسِهِمْ، وَيُلَاحَظُ بَعْدُ إِشَارَاتٌ بَيَانِيَّةٌ:
أَوَّلُهَا: التَّعْبِيرُ بِـ: "ثُمَّ" فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى التَّفَاوُتِ الْكَبِيرِ بَيْنَ حَالِ ضَرَاعَتِهِمْ، وَحَالِ كَفْرِهِمْ، أَوْ بِعِبَارَةٍ أَدَقَّ اسْتِمْرَارِ حَالِهِمْ.
الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ عَبَّرَ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ، وَذَلِكَ تَأْكِيدٌ لِشِرْكِهِمُ الَّذِي كَانَ نَقِيضَ شُكْرِهِمُ الَّذِي وَعَدُوا بِهِ وَنَكَثُوا فِي وَعْدِهِمْ.
الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ عَبَّرَ بِالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ الَّذِي يُصَوِّرُ حَالَهُمْ وَيَدُلُّ عَلَى اسْتِمْرَارِهِمْ.
وَبَعْدَ أَنْ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَمَالَ سُلْطَانِهِ فِي النِّعَمِ يَمْنَحُهَا لِيَرْغَبُوا فِي الْإِيمَانِ وَالْإِذْعَانِ، ذَكَرَ سُبْحَانَهُ قُوَّتَهُ فِي الْقَهْرِ وَالْعَذَابِ.