والكلام فيه على خمس مسائل وهي:
الأولى: في تعريفه.
والثانية: في أسبابه.
والثالثة: في أنواعه.
والرابعة: في أحكامه.
والخامسة: في مراتبه.
ولكل مسألة من هذه المسائل كلام خاص نوضحه فيما يلي.
المسألة الأولى في تعريف المد الفرعي وضابطه
أما تعريفه: فهو المد الزائد على مقدار المد الطبيعي المتقدم لسبب من الأسباب الآتية بعد، وهو الذي تقوم ذوات حروف المد بدونه.
وأما ضابطه: فهو أن يقع بعد حرف المد واللين أو بعد حرف اللين وحده همز أو سكون، سواء كان السكون لازما أو عارضا نحو: هؤلاء [النساء: 41] بما أنـزل [البقرة: 4] آمنوا [البقرة: 13] ونحو: السوء [التوبة: 98] ليس كمثله شيء [الشورى: 11] لدى الوقف اتفاقا، أما في حالة الوصل فمده من طريق الأزرق خاصة، ونحو لورش دابة [الأنعام: 38] الم [البقرة: 1] في الوصل والوقف.
[ ص: 276 ] ونحو: إلى حين [البقرة: 36] يعمهون [البقرة: 15] و " الحساب " [الإسراء: 12] الخير [الحج: 77] القول [محمد: 30] في الوقف للجميع.
وسمي فرعيا لتفرعه من المد الطبيعي أو لتفرع جميع المدود منه سوى المد الطبيعي، ويسمى أيضا بالمد المزيدي لزيادة مده على مقدار المد الطبيعي، وإذا أطلق المد انصرف إليه، أي إلى المد الفرعي أو المزيدي.
المسألة الثانية في أسباب المد الفرعي
للمد الفرعي سببان لفظي ومعنوي:
فأما السبب اللفظي فنوعان الهمز والسكون مطلقا، وهما سببان لزيادة المد الفرعي عن المد الأصلي - الطبيعي - إذا وجد أحدهما بعد حرف المد واللين أو بعد حرف اللين وحده، وسيأتي مزيد بيان لذلك قريبا إن شاء الله تعالى.
وأما السبب المعنوي فهو قصد المبالغة في النفي وهو من الأسباب القوية المقصودة عند العرب - وإن كان ضعيفا عند القراء - وهو نوعان أيضا.
الأول: المد للتعظيم وهو في "لا" النافية للجنس في كلمة التوحيد خاصة نحو: لا إله إلا الله [محمد: 30] لا إله إلا أنت سبحانك [الأنبياء: 87] " لا إله إلا هو العزيز الحكيم " [آل عمران : 6 - 18] ويسمى بمد المبالغة أيضا؛ لأنه طلب للمبالغة في نفي الألوهية عما سوى الله تعالى.
[ ص: 277 ] الثاني: مد التبرئة وهو ثابت عن الإمام أحد القراء السبعة في أحد الوجهين عنه من طريق طيبة النشر، لكن لا يبلغ به حد الإشباع بل يقتصر فيه على التوسط، وقدره أربع حركات، وذلك لضعف سببه عن السبب اللفظي، ومثاله: حمزة لا ريب [البقرة: 2] لا شية فيها [البقرة: 71] لا معقب لحكمه [الرعد: 41] وما إلى ذلك.
هذا، وقد رد ملا علي القاري في شرحه على المقدمة الجزرية المد للتعظيم لأصحاب قصر المنفصل، وكذلك وصف مد التبرئة الوارد عن الإمام بأنه رواية شاذة عند أهل الدراية، وحجته في هذا وذاك عدم ورودهما من طريق الشاطبية. حمزة
أقول: أما المد للتعظيم لأصحاب قصر المنفصل فهو صحيح ثابت في أحد الوجهين عنهم من طريق طيبة النشر، قرأت به على جميع شيوخي من هذا الطريق، وبه آخذ قراءة وإقراء، وسيأتي ذكره مع الأحكام المترتبة عليه بالنسبة لحفص عن . عاصم
وأما مد التبرئة في لا النافية للجنس فهو قراءة صحيحة سبعية متواترة ليست [ ص: 278 ] بشاذة، جاءت عن الإمام في أحد الوجهين عنه من طريق طيبة النشر كما تقدم، وبهذه القراءة قرأت على جميع شيوخي من هذا الطريق، وبها آخذ قراءة وإقراء. حمزة
وقد قال الإمام نفسه فيما نقله عنه الحافظ حمزة وغيره: "ما قرأت حرفا من كتاب الله إلا بأثر". الذهبي
وأما عن عدم ورود هذين المدين من طريق الشاطبية فلا يمنع ورودهما وصحتهما من طريق غيرها كالنشر وطيبته، وكم من قراءات لا يأتي عليها العد صحت واستفاضت وتواترت عن الأئمة السبعة من غير طريق الشاطبية، وتلقتها الأمة بالقبول، ولم تقلل من شأنها.
ومن قرأ كتاب النشر للحافظ ابن الجزري عرف تلك القراءات، والذي يظهر أن ملا علي القاري لم يقرأ بما جاء في كتاب النشر، ولو قرأ القرآن الكريم بما جاء فيه ما رد المد للتعظيم لأصحاب القصر في المنفصل، ولا حكم بشذوذ قراءة بمد التبرئة، وكأنه كان يرى - رحمه الله - أن كل قراءة جاءت عن الأئمة السبعة من غير طريق الشاطبية فهي قراءة شاذة، وهذا عجيب من عالم كبير كالقاري. حمزة
واحترازا عن فهم مثل هذا فقد اعتنى أئمتنا بسرد الزيادات التي ثبتت وتواترت واستفاضت عن الأئمة السبعة من غير الشاطبية في كتب مستقلة بها كالعلامة أحمد الطيبي في كتابه "التنوير فيما زاد للسبعة الأئمة البدور على ما في الحرز والتيسير".
كما اعتنوا بسرد الزيادات التي صحت وتواترت واستفاضت عن الأئمة العشرة من غير طريق الشاطبية والدرة في كتب مستقلة بها كذلك، كالعلامة الشيخ محمد محمد هلالي الإبياري في كتابيه "منحة مولى البر فيما زاده كتاب النشر [ ص: 279 ] في القراءات العشر" وشرحها "القول المبين المستقر بشرح منحة مولى البر".
والعلامة الشيخ محمد عبد الرحمن الخليجي الإسكندري في كتابيه "تكلمة العشر بما زاده النشر" وشرحها المعروف "بشرح التكملة" وغيرهما من الأجلاء، فجزاهم الله عن القرآن الكريم وأهله خيرا، ورحم الله تعالى ملا علي القاري، ورحمنا معه وعامة المسلمين بمنه وكرمه آمين.
ولنرجع إلى ما كنا قد وقفنا عنده، فنقول:
وقد أشار العلامة الجمزوري إلى المد الفرعي وأسبابه بقوله في تحفته:
والآخر الفرعي موقوف على سبب كهمز أو سكون مسجلا
اهـالمسألة الثالثة في أنواع المد الفرعي
علم مما تقدم أن للمد الفرعي سببين لفظيين، هما الهمز والسكون:
فالهمز سبب لثلاثة أنواع منه، وهي المد المتصل والمنفصل والبدل، فإن تقدم الهمز على حرف المد فهو المد البدل نحو: آمنا بالله [البقرة: 136] وإن تأخر عنه وكان معه في كلمة واحدة فهو المد المتصل نحو: ما شاء الله [الكهف: 39] وإن انفصل عنه بأن كان حرف المد آخر الكلمة والهمز أول الثانية فهو المد المنفصل نحو: آمنت بما أنـزل الله من كتاب [الشورى: 15].
والسكون سبب لنوعين منه، ولا يكون إلا بعد حرف المد دائما، فإن كان [ ص: 280 ] ثابتا في الوصل والوقف فهو المد اللازم نحو: الصاخة [عبس: 33] وإن كان ثابتا في الوقف دون الوصل فهو المد العارض للسكون نحو: نستعين [الفاتحة: 5].
فيتلخص مما ذكر أن أنواع المد الفرعي خمسة وهي: المد المتصل، والمنفصل، والبدل، والعارض للسكون، واللازم، وسيأتي بسط الكلام على كل بما فيه الكفاية في المسألة الرابعة إن شاء الله تعالى.
المسألة الرابعة في أحكام المد الفرعي
أحكام المد الفرعي ثلاثة:
أولها: الوجوب وهو خاص بالنوع الأول وهو المد المتصل.
ثانيها: الجواز وهو خاص بالأنواع الثلاثة بعد الأول، وهي المد المنفصل والعارض للسكون والبدل.
ثالثها: اللزوم وهو خاص بالنوع الخامس والأخير، وهو المد اللازم، وفيما يلي الكلام على كل حكم وما يختص به من الأنواع، فنقول وبالله التوفيق.
الكلام على الحكم الأول من أحكام المد الفرعي وهو ، ومقدار مده، ووجهه، وضابطه المد الواجب (المتصل) وسبب تسميته واجبا ومتصلا
تقدم أن حكم الوجوب خاص بالنوع الأول من أنواع المد الفرعي وهو المد المتصل.
وتعريفه: أن يقع الهمز بعد حرف المد واللين في كلمة واحدة نحو: " أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون " [البقرة: 5] [لقمان: 5] فكلوه هنيئا مريئا [النساء: 4] أساءوا السوأى [الروم: 10] ومقدار المد فيه بالنسبة لحفص عن من الشاطبية أربع [ ص: 281 ] حركات، وهو المعروف بالتوسط، ثم المد بقدر خمس حركات أيضا وهو المعروف بفويق التوسط وصلا ووقفا، والوجهان صحيحان مأخوذ بهما لفحص من الشاطبية، غير أن التوسط هو المشهور والمقدم في الأداء، ولم أقرأ بسواه من هذا الطريق، وهو الذي ارتضاه إمامنا عاصم - رحمه الله - ولم يقرئ بسواه لأصحاب التوسط، فاعلم ذلك. الشاطبي
هذا، وما أشرنا إليه من المد بقدر أربع حركات أو خمس إذا كان المد متوسطا كما مثلنا، أما إذا كان متطرفا وموقوفا عليه كقوله تعالى: إنما يخشى الله من عباده العلماء [فاطر: 28] ففيه ما تقدم من المد بأربع حركات أو خمس، ثم زيادة المد بقدر ست حركات لأجل الوقف كما سيأتي.
وسمي متصلا لاتصال حرف المد بالهمز في كلمة واحدة، أو لاتصال الشرط بالسبب في كلمة واحدة كذلك.
وكان حكمه الوجوب لوجوب مده عند كل القراء زيادة على مقدار المد الطبيعي، وإن كانت الزيادة فيه متفاوتة عندهم.
ومن ثم يعلم أن للمد المتصل محلين: محل اتفاق ومحل اختلاف.
أما محل الاتفاق: فهو أن كل القراء اتفقوا على زيادة مده عن مقدار المد الطبيعي.
وأما محل الاختلاف: فهو تفاوتهم في مقدار تلك الزيادة على حسب مذاهبهم، فمنهم من قرأ بمرتبة الإشباع وقدرها ست حركات، ومنهم من قرأ بمرتبة دونه وقدرها خمس حركات، وهو الإمام شيخ عاصم حفص ، ومنهم من قرأ بمرتبة التوسط وقدرها أربع حركات، ومن بينهم الإمام كذلك، ومنهم من قرأ بمرتبة فويق القصر وقدرها ثلاث حركات، ولا أقل [ ص: 282 ] من ذلك، ولم نذكر أصحاب هذه المراتب هنا؛ طلبا للاختصار، وهي مبسوطة في كتب الخلاف، فراجعها إن شئت. عاصم
ومما تقدم يعلم أن المد المتصل لا يزيد عن الحركات الست، ولا ينقص عن الثلاث، فمراتبه أربع فقط، كما يعلم أيضا أنه لا يجوز بحال القصر فيه كالطبيعي.
قال الحافظ ابن الجزري في النشر: "وقد تتبعته - أي القصر في المتصل - فلم أجده في قراءة صحيحة ولا شاذة، بل رأيت النص بمده" اهـ.
هذا ما يتعلق بمسألة الوجوب في المد المتصل باختصار.
وقد أشار العلامة الجمزوري إلى المد الواجب ونوعه في التحفة بقوله:
فواجب إن جاء همز بعد مد في كلمة وذا بمتصل يعد
كما أشار إليه الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية بقوله:
وواجب إن جاء قبل همزة متصلا إن جمعا بكلمة
هذا، ووجه المد في المتصل هو أن الهمزة ثقيلة في النطق بها؛ لأنها حرف شديد جهري - كما تقدم في الصفات - فزيد في المد قبلها للتمكن من النطق بها على حقها من شدتها وجهرها. وقيل: إن حرف المد ضعيف خفي والهمز قوي صعب فزيد في المد تقوية لضعفه عند مجاورته القوي.
الكلام على الحكم الثاني من أحكام المد الفرعي وهو: المد الجائز
تقدم أن حكم الجواز في المد الفرعي يتعلق بثلاثة أنواع منه وهي: المد الجائز المنفصل، والجائز العارض للسكون، والجائز البدل، وفيما يلي تفصيل كل بمفرده.
[ ص: 283 ] الكلام على ، وسبب تسميته جائزا ومنفصلا، ومقدار مده، ووجهه، وضابطه المد الجائز المنفصل
وهذا هو النوع الأول من أنواع المد الجائز.
وتعريفه: أن يقع الهمز بعد حرف المد واللين بشرط انفصاله عنه، وذلك بأن يكون حرف المد واللين آخر الكلمة والهمز أول الثانية، ويستوي في ذلك الانفصال الحقيقي والحكمي.
فالانفصال الحقيقي: هو أن يكون حرف المد واللين ثابتا في الرسم واللفظ نحو: قوا أنفسكم [التحريم: 6] آمنت بما أنـزل الله من كتاب [الشورى: 15] وأفوض أمري إلى الله [غافر: 44].
والانفصال الحكمي: هو أن يكون حرف المد واللين محذوفا في الرسم ثابتا في اللفظ، ومنه: ياء النداء نحو: يا إبراهيم [مريم: 46] يا أيها الناس اتقوا ربكم [النساء: 1] وها التي للتنبيه نحو: ها أنتم هؤلاء [آل عمران : 66] وصلة هاء الضمير نحو: أيحسب أن لم يره أحد [البلد: 7] ولا يشرك في حكمه أحدا [الكهف: 26] وكذلك صلة ميم الجمع عند من وصلها بواو نحو: ومنهم أميون [البقرة: 78] وما إلى ذلك من كل حرف مد حذف رسما وثبت لفظا.
[ ص: 284 ] وسمي منفصلا لانفصال حرف المد عن الهمز أو لانفصال الشرط عن السبب.
وكان حكمه الجواز لجواز قصره ومده عند بعض القراء، فالقصر حركتان كالمد الطبيعي، والمد يشمل أربع مراتب، وهي: المد ثلاث حركات أو أربعا أو خمسا أو ستا.
وعليه فتكون مراتب المد المنفصل خمسا، أولها حركتان وآخرها ست، وتركنا ذكر أصحاب هذه المراتب هنا؛ طلبا للاختصار، ومن أرادها فهي مبسوطة في كتب الخلاف، هذا ما يتعلق بمسألة الجواز بالاختصار.
وأما مقدار مده بالنسبة لحفص من الشاطبية فهو أربع حركات وهو المعروف بالتوسط، أو خمس حركات أيضا وهو المعروف بفويق التوسط، والوجهان صحيحان مأخوذ بهما لحفص من الشاطبية، إلا أن التوسط هو المشهور والمقدم في الأداء، ولم أقرأ بسواه من هذا الطريق، وهو الذي ارتضاه إمامنا عاصم - رضي الله عنه - ولم يقرئ بسواه لأصحاب التوسط، فاعلم ذلك. الشاطبي
هذا، ووجه القصر في المنفصل انتفاء أثر الهمزة لعدم لزومها عند الوقف، ووجه مده اعتبار اتصالها لفظا من الوصل.
وقد أشار العلامة الجمزوري إلى المد الجائز المنفصل في تحفته بقوله:
وجائز مد وقصر إن فصل كل بكلمة وهذا المنفصل