هذه الآية كلها مشكلة ، وقد ذكرناها ، وسنزيدها شرحا - إن شاء الله - .
قال : أحسن ما قيل في " المحكمات والمتشابهات " : إن المحكمات ما كان قائما بنفسه لا يحتاج أن يرجع فيه إلى غيره ، نحو : أبو جعفر ولم يكن له كفوا أحد وإني لغفار لمن تاب وآمن والمتشابهات نحو : إن الله يغفر الذنوب جميعا يرجع فيه إلى قوله : وإني لغفار لمن تاب وإلى قوله : إن الله لا يغفر أن يشرك به فأما ترك صرف " أخر " ؛ فلأنها معدولة عن الألف واللام ، وقد ذكرناه .
فأما الذين في قلوبهم زيغ " الذين " في موضع رفع بالابتداء ، والخبر : فيتبعون ما تشابه منه ويقال : زاغ يزيغ زيغا ؛ إذا ترك القصد . ابتغاء الفتنة مفعول [ ص: 356 ] من أجله ، أي ابتغاء الاختبار الذي فيه غلو وإفساد ذات البين ، ومنه : فلان مفتون بفلانة ؛ أي قد غلا في حبها . ( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون ) عطف على الله - جل وعز - ، هذا أحسن ما قيل فيه ؛ لأن الله - جل وعز - مدحهم بالرسوخ في العلم ، فكيف يمدحهم وهم جهال . قال : وقد ذكرنا أكثر من هذا الاحتجاج ، فأما القراءة المروية عن أبو جعفر : ( وما يعلم تأويله إلا الله ويقول الراسخون في العلم ) فمخالفة لمصحفنا ، وإن صحت فليس فيها حجة لمن قال الراسخون في العلم ويقول الراسخون في العلم آمنا بالله ؛ فأظهر ضمير الراسخين ليبين المعنى ، كما أنشد ابن عباس : سيبويه
لا أرى الموت يسبق الموت شيء نغص الموت ذا الغنى والفقيرا
فإن قال قائل : قد أشكل على الراسخين في العلم بعض تفسيره حتى ، قال : لا أدري ما الأواه ، وما غسلين ؟ فهذا لا يلزم ؛ لأن ابن عباس - رحمه الله - قد علم بعد ذلك وفسر ما وقف عنه . وجواب أقطع من هذا : إنما قال الله - عز [ ص: 357 ] وجل - : ابن عباس وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم ولم يقل - جل وعز - : " وكل راسخ " ، فيجب هذا ، فإذا لم يعلمه أحدهم علمه الآخر . قال ابن كيسان : ويقال : " الراصخون " بالصاد لغة لأن بعدها خاء . ( يقولون ) في موضع نصب على الحال من الراسخين ، كما قال :
الريح تبكي شجوه والبرق يلمع في الغمامه
ويجوز أن يكون " الراسخون في العلم " تمام الكلام ، ويكون " يقولون " مستأنفا .