والذين [37] في موضع خفض معطوف على "للذين آمنوا" يجتنبون كبائر الإثم هذه قراءة المدنيين وأبي عمرو ، وقرأ وعاصم يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة (كبير الإثم) . والقراءة الأولى أبين لأنه إذا قرأ (كبير) توهم أنه واحد أكبرها ، وليس المعنى على ذلك عند أحد من أهل التفسير إلا شيئا قاله والكسائي فعكس فيه قول أهل التفسير ، قال : "كبير الإثم" الشرك قال : وكبائر يراد بها كبير ، وهذا معكوس إنما يقال : كبير يراد به كبائر . يكون واحدا يدل على جمع ، وزعم أنه يستحب لمن قرأ "كبائر الإثم" أن يقرأ (والفواحش) فيخفض ، والقراءة بهذا مخالفة بحجة الإجماع وأعجب من هذا أنه زعم أنه يستحب القراءة به ثم قال : ولم أسمع أحدا قرأ به . والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكبائر معروفة كثيرة وعن الصحابة وعن التابعين . ونحن نذكر من ذلك ما فيه كفاية لتبيين هذا . ونبين معنى الكبائر والاختلاف فيه إذا كان مما لا يسع أحدا جهله . ونبدأ بما صح فيها عن الرسول صلى الله عليه وسلم مما لا مطعن في إسناده وتوليه من قول الصحابة والتابعين وأهل النظر بما فيه كفاية إن شاء الله . فمن ذلك ما حدثناه الفراء محمد بن إدريس بن أسود عن إبراهيم بن مرزوق قال : حدثنا قال : حدثنا وهب بن جرير عن شعبة عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أنس . وقرئ على "أكبر الكبائر الإشراك بالله جل وعز وعقوق [ ص: 87 ] الوالدين المسلمين وقتل النفس وشهادة الزور أو قول الزور" أحمد بن شعيب عن عبدة بن عبد الرحيم قال : أخبرنا ابن شميل قال : حدثنا قال : حدثنا شعبة فراس قال : سمعت يحدث عن الشعبي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : عبد الله بن عمرو بن العاص . قال "الكبائر الإشراك بالله جل وعز وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس" أحمد : وأخبرنا إسحاق بن إبراهيم ثنا بقية حدثني بحير بن سعد عن خالد بن معد أن أبا رهم السماعي حدثه عن أبي أيوب وهو خالد بن زيد الأنصاري بدري عقبي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال من جاء لا يشرك بالله شيئا ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويصوم رمضان واجتنب الكبائر فإنه في الجنة" فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكبائر قال : فقال : الإشراك بالله جل وعز وقتل النفس المسلمة والفرار يوم الزحف" أحمد : أخبرنا عمرو بن علي قال حدثنا يحيى قال حدثنا سفيان عن الأعمش ومنصور عن عن أبي وائل أبي ميسرة قال : قلت يا رسول الله أي الذنوب أعظم قال : "أن تجعل لله جل وعز ندا وهو خلقك" . قلت : ثم أي . قال : أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك . قلت : ثم أي . قال : أن تزني بحليلة جارك" عبد الله . قال عن : فهذه أسانيد مستقيمة وفي حديث أبو جعفر زيادة على ما فيها من الكبائر فيه : أكل مال اليتيم وقذف المحصنة والغلول والسحر وأكل الربا فهذا جميع ما نعلمه ، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكبائر مفصلا مبينا فأما الحديث المجمل فالذي رواه أبي أمامة أبو سعيد عن النبي [ ص: 88 ] صلى الله عليه وسلم أنها سبع فليس بناقض لهذا لأن قذف المحصنة واليمين الغموس والسحر داخلان في قول الزور ، وحديث وأبو هريرة الذي فيه ابن مسعود داخل في قتل النفس المحرمة ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تكون الكبائر إلا هذه فيجب التسليم . وقد روى "أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك" عن مسروق أنه قال : الكبائر من أول سورة النساء إلى رأس ثلاثين آية (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم) فأولى ما قيل في الكبائر وأجمعه ما حدثناه عبد الله بن مسعود علي بن الحسين قال : قال الحسين بن محمد الزعفراني قال : حدثنا أبو قطن عن يزيد بن إبراهيم عن قال : سئل محمد بن سيرين عن الكبائر فقال : كل ما نهى الله جل وعز عنه فهو من الكبائر ، حتى ذكر الطرفة ، وحدثنا ابن عباس قال : حدثنا بكر بن سهل عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن قال : الكبائر كل ما ختمه الله جل وعز بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب . قال ابن عباس : فهذا قول حسن بين لأن الله جل وعز قال : أبو جعفر إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم فعقل بهذا أن الصغائر لا يعذب عليها من اجتنب الكبائر : فإذا أعلم الله جل وعز أنه يدخل على ذنب النار علم أنه كبيرة وكذا إذا أمر أن يعذب صاحبه في الدنيا بالحد ، وكذا قال : كل موجبة أوجب الله تعالى لأهلها العذاب فهي كبيرة وكل ما يقام عليه الحد فهو كبيرة . فهذا المعنى الذي بينا بعد ذكر الأحاديث المسندة فهو شرح أيضا قول [ ص: 89 ] الله تعالى الضحاك إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه وكل ما كان مثله .