وقوله - عز وجل -: فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا ؛ فإن قال قائل: فهل للإيمان مثل هو غير الإيمان؟ قيل له: المعنى واضح بين؛ وتأويله: " فإن أتوا بتصديق مثل تصديقكم وإيمانكم بالأنبياء؛ ووحدوا كتوحيدكم؛ فقد اهتدوا " ؛ أي: فقد صاروا مسلمين مثلكم؛ وإن تولوا فإنما هم في شقاق ؛ أي: في مشاقة؛ وعداوة؛ ومن هذا قول الناس: فلان قد شق عصا المسلمين؛ إنما هو قد فارق ما اجتمعوا عليه من اتباع إمامهم؛ وإنما صار في شق غير شق المسلمين؛ وقوله - عز وجل -: فسيكفيكهم الله ؛ هذا ضمان من الله - عز وجل - في النصر لنبيه - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه إنما يكفيه إياهم [ ص: 215 ] بإظهار ما بعثه به على كل دين سواه؛ وهذا كقوله: ليظهره على الدين كله ؛ فهذا تأويله - والله أعلم.
وكذا قوله: كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ؛ فإن قال قائل: فإن من الرسل من قتل؛ فإن تأويل ذلك - والله أعلم - أن الله غالب هو ورسله بالحجة الواضحة؛ والآية البينة؛ ويجوز أن تكون غلبة الآخرة؛ لأن الأمر هو على ما يستقر عليه في العاقبة؛ وقد قيل: إن الله لم يأمر رسولا بحرب؛ فاتبع ما أمره الله به في حربه إلا غلب؛ فعلى هذا التأويل يجوز أن يكون: " لم يقتل رسول قط محاربا " .