وقوله - عز وجل -: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ؛ معنى " كتب عليكم " : " فرض عليكم " ؛ وقوله: " الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى " ؛ يقال: إنه كان لقوم من العرب طول على آخرين؛ فكانوا يتزوجون فيهم بغير مهور؛ ويطلبون بالدم أكثر من مقداره؛ فيقتلون بالعبد من عبيدهم الحر من الذين لهم عليهم طول؛ فأنزل الله - عز وجل -: فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ؛ أي: من ترك له القتل؛ ورضي منه بالدية؛ وهو قاتل متعمد للقتل؛ عفي له بأن ترك له دمه؛ ورضي منه بالدية؛ قال الله - عز وجل -: ذلك تخفيف من ربكم ورحمة ؛ وذكر أن من كان قبلنا لم يفرض عليهم إلا النفس؛ كما قال - عز وجل -: وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ؛ أي: في التوراة؛ فتفضل الله على هذه الأمة بالتخفيف والدية؛ إذا رضي بها ولي الدم؛ ومعنى " فاتباع بالمعروف " ؛ على ضربين: جائز أن يكون " فعلى صاحب الدم اتباع بالمعروف - أي: المطالبة بالدية -؛ وعلى القاتل أداء بإحسان " ؛ وجائز أن يكون الاتباع بالمعروف؛ والأداء بإحسان جميعا على القاتل - والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ؛ أي: بعد أخذ الدية؛ ومعنى " اعتدى " : ظلم؛ فوثب؛ فقتل قاتل صاحبه؛ بعد أخذ الدية؛ " فله عذاب أليم " ؛ أي: موجع. [ ص: 249 ] ورفع " فاتباع بالمعروف " ؛ على معنى: " فعليه اتباع " ؛ ولو كان في غير القرآن لجاز: " فاتباعا بالمعروف وأداء... " ؛ على معنى: " فليتبع اتباعا... ويؤد أداء... " ؛ ولكن الرفع أجود في العربية؛ وهو على ما في المصحف؛ وإجماع القراء؛ فلا سبيل إلى غيره.