وقوله - جل وعز -: وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ؛ لك في " جاءهم " ؛ الفتح والتفخيم؛ ولك الإمالة نحو الكسر؛ فأما الفتح فلغة أهل الحجاز؛ وهي اللغة العليا القدمى؛ وأما " جاءهم " ؛ بالكسر؛ فلغة تميم؛ وكثير من العرب؛ وهي جيدة فصيحة أيضا؛ فالذي يميل إلى الكسر يدل على [ ص: 387 ] أن الفعل من ذوات الياء؛ والذي يفتح فلأن الياء قد انقلبت صورتها إلى الألف؛ وفي الألف حظها من الفتح؛ وكل مصيب.
ونصب " بغيا " ؛ بقوله: " اختلف " ؛ والمعنى: اختلفوا بغيا؛ أي: للبغي؛ لم يختلفوا لأنهم رأوا البصيرة والبرهان؛ قال المعنى: " وما اختلف الذين أوتوا الكتاب بغيا بينهم إلا من بعد ما جاءهم العلم " ؛ والذي هو الأجود أن يكون " بغيا " ؛ منصوبا بما دل عليه " وما اختلف " ؛ فيكون المعنى: اختلفوا بغيا بينهم. الأخفش:
ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب ؛ أي: سريع الحساب له؛ والجزم هو الوجه في " ومن يكفر " ؛ وهي القراءة؛ ولو قرئت بالرفع لكان له وجه من القياس؛ ولكن الجزم أجود وأفصح في المعنى؛ ومعنى " سريع الحساب " : أي: سريع المجازاة له؛ كما قال: وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب ؛ وقالوا: جائز أن يكون " سريع الحساب " : سريع التعريف للعامل عمله؛ لأنه - جل ثناؤه - عالم بجميع ما عملوا؛ لا يحتاج إلى إثبات شيء؛ وتذاكر شيء.
ونصب قائما بالقسط حال مؤكدة؛ لأن الحال المؤكدة تقع مع الأسماء [ ص: 388 ] في غير الإشارة؛ تقول: " إنه زيد معروفا " ؛ و " هو الحق مصدقا " ؛ و " لا إله إلا هو قائما بالقسط " ؛ و " القسط " ؛ في اللغة: العدل؛ قال الله: وأقيموا الوزن بالقسط ؛ أي: بالعدل؛ ويقال: " أقسط الرجل " ؛ إذا عدل؛ و " قسط " ؛ إذا جار؛ والعادل " مقسط " ؛ والجائر " قاسط " ؛ قال الله: وأقسطوا إن الله يحب المقسطين ؛ أي: اعدلوا؛ إن الله يحب العادلين؛ وقال: وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ؛ فإن قال قائل: فمن أين جاء من لفظ القسط ما معناه الجور؛ وأصله العدل؟ فإنما ذلك كقولك: " عدل الرجل على القوم؛ يعدل؛ عدلا؛ ومعدلة؛ ومعدلة " ؛ إذا هو أنصفهم؛ و " عدل عن الحق؛ عدلا " ؛ إذا جار؛ فكذلك جاء من لفظ القسط ما معناه الجور؛ كما جاء ما معناه العدل.