وقوله - عز وجل -: ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ؛ اتفق أبو عمرو؛ وعاصم؛ والأعمش؛ على إسكان الهاء من " يؤده " ؛ وكذلك كل ما أشبه هذا من القرآن؛ اتفقوا على إسكان الهاء فيه؛ نحو: " نصله جهنم " ؛ و " نؤته منها " ؛ وقوله: " نوله ما تولى " ؛ إلا حرفا حكي عن [ ص: 432 ] وحمزة؛ ؛ وحكى أبي عمرو عن أبو عبيدة أنه كسر في " ألقه إليهم " ؛ ولا فصل بين هذا الحرف وسائر الحروف التي جزمها؛ أما الحكاية عن أبي عمرو فيه وفي غيره فغلط؛ كان أبي عمرو يختلس الكسرة؛ وهذا كما غلط عليه في " بارئكم " ؛ حكى القراء عنه أنه كان يحذف الهمزة في " بارئكم " ؛ وحكى أبو عمرو عنه - وهو في هذا أضبط من غيره - أنه كان يكسر كسرا خفيا؛ وأما سيبويه وقراء أهل المدينة فأشبعوا هذه الحروف؛ فكسروا؛ وأثبتوا الياءات؛ مثل: " يؤده إليك " ؛ وهذا الإسكان الذي حكى عنه هؤلاء غلط بين؛ لا ينبغي أن يقرأ به؛ لأن الهاء لا ينبغي أن تجزم؛ ولا تسكن في الوصل؛ إنما تسكن في الوقف. نافع
وفي هذه الحروف أربعة أوجه؛ يجوز إثبات الياء؛ ويجوز حذفها تقول: يؤده إليك " ؛ بالكسر؛ ويجوز: " يؤدهو إليك " ؛ بالضم؛ بإثبات الواو بعد الهاء؛ ويجوز حذف الواو؛ وضم الهاء؛ فأما الوقف فلا وجه له؛ لأن الهاء حرف خفي بين في الوصل بالواو في التذكير؛ قال : دخلت الواو في التذكير كما دخلت الألف في التأنيث؛ نحو؛ " ضربتهو " ؛ و " ضربتها " ؛ قال أصحابه: اختيرت الواو لأنها من طرف الشفتين؛ والهاء من الحلق؛ فأبانت الواو [ ص: 433 ] الهاء؛ وإنما تحذف الياء لعلة تقلب الواو إليها؛ فإذا حذفت الياء بقيت الكسرة؛ فأما في الوقف فلا يجوز البتة؛ وقد أكثر الناس في تفسير القنطار؛ وقد حكينا ما قال الناس فيه؛ ولم يتفقوا على تحديد في مقدار وزنه؛ إلا أنهم قد اتفقوا في أنه الكثير من المال. وقوله - عز وجل -: سيبويه إلا ما دمت عليه قائما ؛ أكثر القراءة: " دمت " ؛ بضم الدال؛ وقد قرئت: " دمت " ؛ فأما " دمت " ؛ فمن قولك: " دمت؛ أدوم " ؛ إذا بقيت على الشيء؛ مثل: " قمت؛ أقوم " ؛ وأما " دمت " ؛ بالكسر؛ فعلى قولهم: " دمت تدام " ؛ مثل قولك: " خفت؛ تخاف " ؛ ويقال: " قد ديم بفلان؛ وأديم به " ؛ بمعنى " دير به؛ وأدير به " ؛ وهو الذي به دوام؛ كقولهم: " به دوام " ؛ كقولهم: " به دوار " ؛ ويقال: " دام المال - إذا سكن - يدوم؛ فهو دائم " ؛ ومنه نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبال في الماء الدائم؛ أي: الساكن؛ ويقال: " قد دوم الطائر في الجو تدويما " ؛ وهو يصلح أن يكون من وجهين؛ من دورانه في طيرانه؛ ويصلح أن يكون من قلة حركة جناحه؛ لأنه يرى كأنه ساكن الجناح؛ ومعنى قائما أي: إلا بدوامك قائما على اقتضاء دينك. وقوله - عز وجل -: ذلك بأنهم قالوا ؛ أي: فعلهم ذلك بقولهم: ليس علينا في الأميين سبيل ؛ أي: ليس علينا طريق في أخذ مالهم. [ ص: 434 ] وصف الله - عز وجل -: أكلهم السحت وخيانتهم؛ وقد قيل في التفسير: إنهم عاملوا قوما من المشركين؛ فلما انتقلوا إلى الإسلام قالوا: ليس علينا لكم سبيل؛ إنما عاملناكم وأنتم على دينكم ذلك؛ فأعلم الله أنهم يكذبون؛ قال - عز وجل -: ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ؛ أي: وهم يعلمون أنهم يكذبون؛ فرد الله قولهم؛ فقال: بلى ؛ وهو عندي - والله أعلم - وقف التمام؛ ثم استأنف فقال - عز وجل -: من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين أي: فإن الله يحبه؛ ويجوز أن يكون استأنف جملة الكلام بقوله: " بلى " ؛ لأن قولهم: " ليس علينا فيما نفعل جناح " ؛ كقولهم: " نحن أهل تقوى في فعلنا هذا " ؛ فأعلم الله أن أهل الوفاء بالعهد والتقى يحبهم الله؛ وأنهم المتقون؛ أي: الذين يتقون الخيانة؛ والكفر بالنبي - صلى الله عليه وسلم.