[ ص: 191 ] سورة "التحريم" 
مدنية 
بسم الله الرحمن الرحيم 
قوله (تعالى): يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم   ؛ أي: وقد غفر الله لك ذلك التحريم؛ وجاء في التفسير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شرب عسلا عند  زينب بنت جحش؛  فأجمعت  عائشة   وحفصة  على أن يقولا له: إنا نشم منك ريح المغافير؛ و"المغافير": صمغ متغير الرائحة؛ وقيل في التفسير: إنه بقلة؛ فلما صار إلى كل واحدة منهما قالت له: إني أشم منك ريح المغافير؛ فحرم النبي - - عليه السلام - على نفسه شرب العسل؛ وقيل: إنه حلف على ذلك؛ وجاء في التفسير - وهو الأكثر - أن النبي - عليه السلام - خلا في يوم  لعائشة  مع جاريته أم إبراهيم؛  وكان يقال لها:   "مارية القبطية"؛  فوقفت  حفصة  على ذلك؛ فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تعلمي  عائشة  ذلك"؛ فقالت له: لست أفعل؛ وحرم مارية  على نفسه؛ وقيل: إنه حلف مع ذلك أيضا؛ فأعلمت  حفصة   عائشة  الخبر؛ واستكتمتها إياه؛ فأطلع الله نبيه على ذلك؛ فقال الله - عز وجل -: وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا  ؛ يعني  حفصة؛  موضع "إذ": نصب؛ كأنه قال: "واذكر إذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا"؛ يعني  حفصة؛  فلما نبأت به  ؛ أي: فلما خبرت به  عائشة.   [ ص: 192 ] وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض  ؛ وقرئت: "عرف بعضه"؛ بتخفيف الراء؛ وأعلم الله أن التحريم على هذا التفسير لا يحرم؛ فقال لنبيه - عليه السلام -: لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك  ؛ فلم يجعل الله لنبيه أن يحرم إلا ما حرم الله؛ فعلى هذين التفسيرين ليس لأحد أن يحرم ما أحل الله؛ فقال الله: قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم  ؛ يعني الكفارة؛ لأنه قد روي أنه مع ذلك التحريم حلف؛ وقال قوم: إن الكفارة كفارة التحريم؛ فأما عرف بعضه  ؛ فتأويله أنه عرف بعضه  حفصة؛  وأعرض عن بعض  ؛ جاء في التفسير أنه لما حرم مارية  أخبر  حفصة  أنه يملك من بعده  أبو بكر   وعمر؛  فعرفها بعض ما أفشت من الخبر؛ وأعرض عن بعض؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد عرف كل ما كان أسره؛ والإعراض لا يكون إلا عما يعرف؛ وتأويل هذا في اللغة حسن بين؛ معنى عرف بعضه  ؛ جازى عليه؛ كما تقول لمن تتوعده: "قد علمت ما عملت؛ وقد عرفت ما صنعت"؛ وتأويله: "فسأجازيك عليه"؛ لا أنك تقصد إلى أنك قد علمت فقط؛ ومثله قول الله - عز وجل -: وما تفعلوا من خير يعلمه الله  ؛ فتأويله يعلمه الله ويجازي عليه؛ فإن الله يعلم كل ما يفعل؛ ومثله قوله (تعالى): أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم  ؛ والله يعلم ما في قلوب الخلق أجمعين؛ ومثله قوله: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره  ؛ ليس الفائدة أنه يرى ما عمل؛ إنما يرى جزاء ما عمل؛ فقيل: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - طلق  حفصة  تطليقة واحدة؛ فكان ذلك جزاءها عنده؛  [ ص: 193 ] فذلك تأويل عرف بعضه وأعرض عن بعض  ؛ أي: جازى على بعض الحديث؛ وكانت  حفصة؛  صوامة؛ قوامة؛ فأمره الله (تعالى) أن يراجعها؛ فراجعها. 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					