وقوله - جل وعز -: ثم أنـزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا ؛ أي: أعقبكم بما نالكم من الرعب أن أمنكم أمنا تنامون معه؛ لأن الشديد الخوف لا يكاد ينام. و أمنة ؛ اسم؛ تقول: " أمن الرجل أمنا؛ وأمنة " ؛ إذا لم ينله خوف؛ و نعاسا ؛ منصوب على البدل من " أمنة " ؛ ويقرأ: " يغشى " ؛ و " تغشى طائفة منكم " ؛ فمن قرأ: " يغشى " ؛ بالياء؛ جعله للنعاس؛ ومن قرأ: " تغشى " ؛ بالتاء؛ جعله للأمنة؛ والأمنة تؤدي معنى النعاس؛ وإن قرئ: " يغشى " ؛ جاز؛ وهذه الطائفة هم المؤمنون؛ وطائفة قد أهمتهم أنفسهم ؛ وهم المنافقون. وقوله - جل وعز -: يظنون بالله غير الحق ؛ أي: يظن المنافقون أن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - مضمحل؛ ظن الجاهلية ؛ أي: هم على جاهليتهم في ظنهم هذا؛ والقراءة: " وطائفة قد أهمتهم أنفسهم " ؛ قال المعنى: إذ طائفة قد أهمتهم " ؛ وهذه واو [ ص: 480 ] الحال؛ ولو قرئت: " وطائفة قد أهمتهم أنفسهم " ؛ على إضمار فعل " أهم " ؛ الذي ظهر تفسيره؛ كان جائزا؛ المعنى: " وأهمت طائفة أنفسهم " ؛ وجائز أن يرتفع على أن يكون الخبر " يظنون " ؛ ويكون " قد أهمتهم " ؛ نعت " طائفة " ؛ المعنى: " وطائفة تهمهم أنفسهم يظنون " ؛ أي: طائفة يظنون بالله غير الحق. سيبويه:
وقوله - عز وجل -: قل لو كنتم في بيوتكم ؛ تقرأ: " بيوتكم " ؛ بضم الباء؛ وكسرها؛ وروى عن أبو بكر بن عياش بكسر الباء؛ قال عاصم أبو إسحاق : وقرأناها بإقراء عن أبي عمرو " بيوتكم " ؛ بضم الباء؛ والضم الأكثر الأجود؛ والذين كسروا " بيوت " ؛ كسروها لمجيء الياء بعد الباء؛ و " فعول " ؛ ليس بأصل في الكلام؛ ولا من أمثلة الجمع؛ فالاختيار " بيوت " ؛ مثل: " قلب " ؛ و " قلوب " ؛ و " فلس " ؛ و " فلوس " . وقوله - عز وجل - عاصم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم ؛ معنى " برزوا " : صاروا إلى براز؛ وهو المكان المنكشف؛ أي: لأوصلتهم الأسباب - التي عنها يكون القتل - إلى مضاجعهم. وقوله - عز وجل -: وليبتلي الله ما في صدوركم ؛ أي: يختبره بأعمالكم؛ لأنه علمه غيبا؛ فيعلمه شهادة؛ لأن المجازاة تقع على ما علم مشاهدة؛ أعني: على ما وقع من عامليه؛ لا على ما هو معلوم منهم. وقوله - عز وجل -: قل إن الأمر كله لله ؛ فمن نصب؛ فعلى توكيد " الأمر " ؛ ومن " رفع فعلى الابتداء؛ و " لله " ؛ الخبر؛ ومعنى " الأمر كله لله " : أي: النصر؛ وما يلقي من الرعب في القلوب؛ لله؛ أي: كل ذلك لله.