مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله - عز وجل -: ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ؛ "كيف"؛ في موضع نصب بـ " فعل ربك " ؛ لا بقوله: " ألم تر " ؛ لأن "كيف"؛ من حروف الاستفهام؛ ومعنى " ألم تر " : "ألم تعلم؟"؛ فأعلم الله - عز وجل - رسوله ما كان مما سلف من الأقاصيص؛ وما فيه دال على توحيد الله؛ وتعظيمه أمر كعبته؛ وكان من قصة أصحاب الفيل أن قوما من العرب؛ وكانوا ببلاد وكانوا بحضرة بيت هو مصلى للنصارى؛ وأصحاب النجاشي؛ فأججوا نارا استعملوها لبعض ما احتاجوا إليه؛ ثم رحلوا ولم يطفئوها؛ فحملتها الريح حتى أحرقت البيت الذي كان مصلاهم؛ ومثابة النجاشي؛ وأصحابه؛ فقصد للنجاشي مكة مقدرا أن يحرق البيت الحرام؛ ويستبيح أهل مكة؛ فلما قربوا من الحرم؛ لم تسر بهم دوابهم نحو البيت؛ فإذا عطفوها راجعين سارت؛ فوعظهم الله بأبلغ موعظة؛ فأقاموا على قصد البيت؛ وعلى أن يحرقوه؛ فأرسل الله عليهم طيرا أبابيل؛ فجعل كيدهم في تضليل؛ أي: في ذهاب وهلاك؛ وكان مع كل طائر ثلاثة أحجار؛ حجر في منقاره؛ وحجران في رجليه؛ يقع الحجر منها على رأس الرجل فيخرج من دبره؛ على كل حجر اسم الرجل الذي وقع عليه؛ فقال الله - جل ثناؤه -: وأرسل عليهم طيرا أبابيل ؛ جماعات من ههنا؛ وجماعات من ههنا؛ والمعنى: أرسل الله عليهم هذا الطير بهذه الحجارة من كل جانب. [ ص: 364 ] ومعنى ترميهم بحجارة من سجيل ؛ وصف الله في كل من عذبه بالحجارة أنها "من سجيل"؛ فقال في قوم لوط: وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود ؛ فالمعنى: "وأرسل عليهم ما يرميهم بحجارة من سجيل"؛ أي: من شديد عذابه؛ والعرب إذا وصفت المكروه بسجيل كأنها تعني به الشدة؛ ولا يوصف به غير المكروه؛ قال الشاعر:
ورجلة يضربون البيض ضاحية ... ضربا تواصت به الأبطال سجيلا
أي: ضربا شديدا؛ وأما أبابيل ؛ قال لا واحد لها؛ وقال غيره: "إبالة"؛ و"أبابيل"؛ و"إبالة"؛ كأنها جماعة؛ وقال بعضهم: واحدها "إبول"؛ و"أبابيل"؛ مثل "عجول"؛ و"عجاجيل". أبو عبيدة: