وجاء في التفسير أن إبراهيم كان يضيف الضيفان؛ ويطعم المساكين الطعام؛ وأصاب الناس جدب؛ فبعث إلى خليل له كان بمصر؛ يمتار منه؛ فقال ذلك الخليل لنفسه : لو كان إبراهيم إنما يريد الميرة لنفسه لوجهت إليه بها؛ ولكنه يريدها للناس؛ فرجع غلمان إبراهيم بغير ميرة؛ فاجتازوا ببطحاء لينة؛ فأخذوا من رمل كان فيها؛ وجعلوه في أوعيتهم؛ استحياء من الناس أن يرجعوا بغير شيء؛ فلما رآهم - عليه السلام - سألهم عن الخبر؛ فأعلموه؛ فحملته عينه فنام مهموما؛ وانتبهت امرأته وقد بصرت بالأوعية مملوءة؛ فأمرت بأن يخرج منها ويخبز؛ فأخرج منها طعام في غاية الحسن؛ فاختبز؛ وانتبه إبراهيم وشم رائحة الطعام؛ فقال : " من أين هذا؟ " ؛ فقالت امرأته : من عند خليلك المصري؛ فقال إبراهيم : " هذا من عند خليلي الله - عز وجل " .
فهذا ما روي في التفسير؛ وهو من آيات الأنبياء - عليهم السلام - غير منكر؛ والذي فسرنا من الاشتقاق لا يخالف هذا؛ و " الخلة " : الصداقة؛ و " الخلة " : الحاجة؛ فأما معنى الحاجة فإنه الاختلال الذي يلحق الإنسان فيما يحتاج إليه؛ وأما " الخلة " : الصداقة؛ فمعناها أنه يسد كل محب خلل صاحبه في المودة؛ وفي الحاجة إليه؛ و " الخلل " : كل فرجة تقع في شيء؛ و " الخلال " : الذي يتخلل به؛ وإنما سمي " خلالا " ؛ لأنه؛ يتبع به الخلل بين الأسنان؛ وقول الشاعر : [ ص: 114 ]
ونظرن من خلل الستور بأعين ... مرضى مخالطها السقام صحاح
فإن معناه : نظرن من الفرج التي تقع في الستور؛ وقول القائل : " لك خلة من خلال " ؛ تأويله أني أخلي لك من رأيي؛ أو مما عندي؛ عن خلة من خلال؛ وتأويل " أخلي " ؛ إنما هو " أخلل " ؛ وجائز أن يكون " أخلي " ؛ من " الخلوة " ؛ و " الخلوة " ؛ و " الخلل " ؛ يرجعان إلى معنى؛ و " الخل " : الطريق في الرمل؛ معناه أنه انفرجت فيه فرجة فصارت طريقا؛ و " الخل " ؛ الذي يؤكل؛ إنما سمي " خلا " ؛ لأنه اختل منه طعم الحلاوة.