إلا الأواري لأيا ما أبينها ... والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد
ومعنى قوله: " باتخاذكم العجل " : أي: اتخذتموه إلها؛ ومعنى قوله: فتوبوا إلى بارئكم ؛ أي: إلى خالقكم؛ يقال: " برأ الله الخلق " ؛ ف " البارئ " : الخالق؛ و " البرية " ؛ و " الخلق " : المخلوقون؛ إلا أن " البرية " ؛ وقعت في أكثر كلامهم غير مهموزة؛ [ ص: 136 ] وأصلها أولئك هم خير البرية ؛ وأكثر القراء; والكلم: " البرية " ؛ بغير همز؛ وقد قرأ قوم: " البريئة " ؛ بالهمز؛ والاختيار ما عليه الجمهور؛ وروي عن أنه قرأ " إلى بارئكم " ؛ بإسكان الهمز؛ وهذا رواه أبي عمرو بن العلاء باختلاس الكسرة؛ وأحسب أن الرواية الصحيحة ما روى سيبويه ؛ فإنه أضبط لما روي عن سيبويه ؛ والإعراب أشبه بالرواية عن أبي عمرو ؛ لأن حذف الكسرة في مثل هذا؛ وحذف الضم؛ إنما يأتي باضطرار من الشعر؛ أنشد أبي عمرو - وزعم أنه مما يجوز في الشعر خاصة -: سيبويه
إذا اعوججن قلت صاحب قوم
بإسكان الباء؛ وأنشد أيضا:
فاليوم أشرب غير مستحقب ... إثما من الله ولا واغل
فالكلام الصحيح أن تقول: " يا صاحب أقبل " ؛ أو: " يا صاحب أقبل " ؛ ولا وجه للإسكان؛ وكذلك " فاليوم أشرب يا هذا " ؛ وروى غير هذه الأبيات على الاستقامة؛ وما ينبغي أن يكون في الكلام؛ والشعر؛ رووا هذا البيت على ضربين؛ رووا " فاليوم فاشرب غير مستحقب " ؛ [ ص: 137 ] ورووا أيضا: " فاليوم أسقى غير مستحقب " ؛ ورووا أيضا: " إذا اعوججن قلت صاح قوم " ؛ ولم يكن سيبويه ليروي - إن شاء الله - إلا ما سمع؛ إلا أن الذي سمعه هؤلاء هو الثابت في اللغة؛ وقد ذكر سيبويه أن القياس غير الذي روى؛ ولا ينبغي أن يقرأ إلا: " إلى بارئكم " ؛ بالكسر؛ وكذلك " عند بارئكم " ؛ ومعنى " فاقتلوا أنفسكم " : امتحنهم الله - عز وجل - بأن جعل توبتهم أن يقتل بعضهم بعضا؛ فيقال: إنهم صفوا صفين؛ يقتل بعضهم بعضا؛ فمن قتل كان شهيدا; ومن لم يقتل فتائب مغفور له ما تقدم من ذنبه؛ ويقال: إن السبعين الذين اختارهم سيبويه موسى - صلى الله عليه وسلم - لم يكونوا ممن عبد العجل؛ وإنهم هم الذين كانوا يقتلون؛ والأول أشبه بالآية؛ لأن قوله - عز وجل - فاقتلوا أنفسكم ؛ يدل على أنها توبة عبدة العجل؛ وإنما امتحنهم الله - عز وجل - بهذه المحنة العظيمة؛ لكفرهم بعد الدلالات؛ والآيات العظام.