وقوله : يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط ؛ " القسط " ؛ و " الإقساط " : العدل؛ يقال : " أقسط الرجل؛ يقسط؛ إقساطا " ؛ إذا عدل؛ وأتى بالقسط؛ ويقال : " قسط الرجل؛ قسوطا " ؛ إذا جار؛ قال الله - جل وعز - : وأقسطوا إن الله يحب المقسطين ؛ أي : اعدلوا؛ إن الله يحب العادلين؛ وقال - جل وعز - : وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ؛ أي : الجائرون؛ يقال : " قسط البعير؛ قسطا " ؛ إذا يبست يده؛ و " يد قسطاء " ؛ أي : يابسة؛ فكأن " أقسط " : أقام الشيء على حقيقة التعديل؛ وكأن " قسط " ؛ بمعنى " جار " ؛ معناه : يبس الشيء؛ وأفسد جهته المستقيمة.
وقوله : ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين ؛ [ ص: 118 ] المعنى : قوموا بالعدل؛ وأشهدوا لله بالحق؛ وإن كان الحق على نفس الشاهد؛ أو على والديه؛ وأقربيه؛ إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما ؛ أي : إن يكن المشهود له فقيرا؛ فالله أولى به؛ وكذلك إن يكن المشهود عليه غنيا؛ فالله أولى به؛ فالتأويل : أقيموا الشهادة لله على أنفسكم؛ وأقاربكم؛ ولا تميلوا في الشهادة رحمة للفقير؛ ولا تحيفوا لاحتفال غنى غني عندكم؛ وقوله : فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا ؛ أي : لا تتبعوا الهوى فتعدلوا؛ وإن تلووا أو تعرضوا ؛ قرأ ؛ عاصم وأهل وأبو عمرو بن العلاء؛ المدينة : " تلووا " ؛ بواوين؛ وقرأ يحيى بن وثاب؛ والأعمش؛ بواو واحدة : " تلوا " ؛ والأشبه على ما جاء في التفسير؛ ومذهب أهل وحمزة؛ المدينة ؛ - لأنه جاء في التفسير - أن " لوى الحاكم في قضيته " : أعرض؛ فإن الله كان بما تعملون خبيرا؛ يقال : " لويت فلانا حقه " ؛ إذا دفعته به؛ ومطلته؛ ويجوز أن يكون " وإن تلو " ؛ أصله " تلووا " ؛ فأبدلوا من الواو المضمومة همزة؛ فصارت " تلؤوا " ؛ بإسكان اللام؛ ثم طرحت الهمزة؛ وطرحت حركتها على اللام؛ فصار " تلو " ؛ كما قيل في " أدؤر " : " أدور " ؛ ثم طرحت الهمزة؛ فصارت " آدر " ؛ ويجوز أن يكون " وإن تلوا " ؛ من " الولاية " ؛ و " تعرضوا " ؛ أي : إن قمتم بالأمر؛ أو أعرضتم عنه؛ وأبي عمرو فإن الله كان بما تعملون خبيرا [ ص: 119 ] وقوله : فتذروها كالمعلقة ؛ قيل : كالمحبوسة؛ لا أيما؛ ولا ذات بعل.