وقوله - عز وجل - : كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة ؛ الله - عز وجل - تفضل على العباد بأن أمهلهم عند كفرهم؛ وإقدامهم على [ ص: 232 ] كبائر ما نهاهم عنه؛ بأن أنظرهم؛ وعمرهم؛ وفسح لهم ليتوبوا؛ فذلك كتبه الرحمة على نفسه؛ فأما ليجمعنكم إلى يوم القيامة ؛ فهو احتجاج على المشركين الذين دفعوا البعث؛ فقال - عز وجل - : ليجمعنكم إلى يوم القيامة ؛ أي : إلى اليوم الذي أنكرتموه؛ كما تقول : " قد جمعت هؤلاء إلى هؤلاء " ؛ أي : ضممت بينهم في الجمع.
وقوله : الذين خسروا أنفسهم ؛ ذكر أن " الذين " ؛ بدل من الكاف؛ والميم؛ المعنى : ليجمعن هؤلاء المشركين الذين خسروا أنفسهم إلى هذا اليوم الذي يجحدونه؛ ويكفرون به؛ والذي عندي أن قوله : الأخفش الذين خسروا أنفسهم ؛ في موضع رفع على الابتداء؛ وخبره : فهم لا يؤمنون ؛ لأن " ليجمعنكم " ؛ مشتمل على سائر الخلق؛ على الذين خسروا أنفسهم وغيرهم؛ وهذه اللام في " ليجمعنكم " ؛ لام قسم؛ فجائز أن يكون تمام الكلام " كتب ربكم على نفسه الرحمة " ؛ ثم استأنف فقال : " ليجمعنكم " ؛ وكأن المعنى : " والله ليجمعنكم " ؛ وجائز أن يكون " ليجمعنكم " ؛ بدلا من " الرحمة " ؛ مفسرا لها؛ لأنه لما قال : " كتب ربكم على نفسه الرحمة " ؛ فسر رحمته بأنه يمهلهم إلى يوم القيامة؛ ويكون في الإمهال ما فسرنا آنفا.