سقى الله أمواها عرفت مكانها ... جرابا وملكوما وبذر والغمر
وقوله : فأخرجنا منه خضرا ؛ معنى " خضر " ؛ كمعنى " أخضر " ؛ يقال : " اخضر؛ فهو أخضر؛ وخضر " ؛ مثل " اعور؛ فهو أعور؛ وعور " ؛ وقوله : ومن النخل من طلعها قنوان دانية ؛ " قنوان " : جمع " قنو " ؛ مثل " صنو " ؛ و " صنوان " ؛ وإذا ثنيت القنو فهما " قنوان يا هذا " ؛ بكسر النون؛ و " القنو " : العذق؛ بكسر العين؛ وهي الكباسة؛ و " العذق " : النخلة؛ و دانية ؛ أي : قريبة المتناول؛ ولم يقل : " ومنها قنوان بعيدة " ؛ لأن في الكلام دليلا أن البعيدة السحيقة من النخل قد كانت غير سحيقة؛ واجتزئ بذكر القريبة عن ذكر البعيدة؛ كما قال - عز وجل - : سرابيل تقيكم الحر ؛ ولم يقل : " وسرابيل تقيكم البرد " ؛ لأن في الكلام دليلا على أنها تقي البرد؛ لأن ما يستر من الحر يستر من البرد. [ ص: 276 ] وقوله : وجنات من أعناب ؛ عطف على قوله : " خضرا " ؛ أي : " فأخرجنا من الماء خضرا؛ وجنات من أعناب " ؛ و " الجنة " : البستان؛ وإنما سمي البستان " جنة " ؛ وكل نبت متكاثف يستر بعضه بعضا فهو " جنة " ؛ وهو مشتق من " جننت الشيء " ؛ إذا سترته؛ ومن هذا قيل للترس : " مجن " ؛ لأنه يستر؛ وقوله : والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه ؛ أي : في الطعم؛ وفيه ما يشبه طعم بعضه طعم بعض؛ وقرن الزيتون بالرمان لأنهما شجرتان تعرف العرب أن ورقهما يشتمل على الغصن من أوله إلى آخره؛ قال الشاعر :
بورك الميت الغريب كما ... بورك نضر الرمان والزيتون
ومعناه أن البركة في ورقه واشتماله على عوده كله؛
وقوله : انظروا إلى ثمره ؛ يقال : " ثمرة " ؛ و " ثمر " ؛ و " ثمار " ؛ و " ثمر " ؛ جمع " ثمار " ؛ فمن قرأ : " إلى ثمره " ؛ بالضم؛ أراد جمع الجمع؛ وإن شئت قلت : " إلى ثمره " ؛ فخففت؛ لثقل الضمة؛ وينعه ؛ " الينع " : النضج؛ يقال : " ينع الشجر؛ وأينع " ؛ إذا أدرك؛ قال الشاعر : [ ص: 277 ]
في قباب حول دسكرة ... حولها الزيتون قد ينعا
قال : البيت أبو عبيدة ليزيد بن معاوية؛ أو للأحوص؛ احتج الله عليهم بتصريف ما خلق؛ ونقله من حال إلى حال؛ بما يعلمون أنه لا يقدر عليه المخلوقون؛ وأنه كذلك يبعثهم لأنهم كانوا ينكرون البعث؛ فقال لهم : إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون ؛ فأعلمهم أن فيما قص دليلا لمن صدق.