لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت ... حمامة في غصون ذات أوقال
وأكثرهم ينشده " غير أن نطقت " ؛ فلما أضاف " غير " إلى " أن " ؛ فتح " غير " ؛ ولو قلت : ما جاءني غيرك " ؛ لم يجز؛ ولو جاز هذا لجاز " ما جاءني زيدا " ؛ وقوله : قد جاءتكم بينة من ربكم ؛ دعاهم إلى التوحيد؛ ودلهم على نبوته بالناقة؛ فقال : هذه ناقة الله لكم آية ؛ " آية " ؛ انتصب على الحال؛ أي : " انظروا إلى هذه الناقة آية " ؛ أي : علامة؛ وقد اختلف في خبرها؛ فقيل في بعض التفسير : إن الملأ من قوم صالح كانوا بين يديه؛ فسألوه آية؛ وكانت بين يديه صفاة - وهي الصخرة -؛ فأخرج الله منها ناقة؛ معها سقبها؛ أي : ولدها؛ وجاء في بعض التفسير أنه أخذ ناقة من سائر النوق؛ وجعل الله لها [ ص: 350 ] شربا يوما؛ ولهم شرب يوم؛ وذكرت قصته في غير هذا الموضع؛ فقال : هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ؛ فكانت تشرب يوما؛ ثم تفحج يوما آخر في واد؛ فلا تزال تحتلب؛ ولا ينقطع حلبها ذلك اليوم؛ فجائز أن يكون أمر خروجها من الصخرة صحيحا؛ وجائز أن يكون أمر حلبها صحيحا؛ وكل منهما آية معجزة تدل على النبوة؛ وجائز أن تكون الروايتان صحيحتين؛ فيجمع أنها خرجت من صخرة؛ وأن حلبها على ما ذكرنا؛ ولم يكن ليقول : قد جاءتكم بينة من ربكم ؛ فتكون آية فيها لبس؛ وقوله : واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد ؛ أي : لما أهلكهم؛ وورثكم الأرض؛ وبوأكم في الأرض ؛ أي : أنزلكم؛ قال الشاعر :
وبوئت في صميم معشرها ... وتم في قومها مبوؤها