[ ص: 57 ] و"الوقود": الحطب. و "الوقود": الاتقاد وهو الفعل. يقرأ : (الوقود) و : (الوقود) ويكون أن يعنى بها الحطب، ويكون أن يعنى بها الفعل. ومثل ذلك "الوضوء" وهو: الماء، و "الوضوء" وهو الفعل، وزعموا أنهما لغتان في معنى واحد.
وقوله: (أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار) فجر "جنات" وقد وقعت عليها "أن" لأن كل جماعة في آخرها تاء زائدة تذهب في الواحد أو في تصغيره فنصبها: جر، ألا ترى أنك تقول: "جنه" فتذهب التاء. وقال: (خلق السماوات والأرض) و "السماوات" جر، و "الأرض" نصب لأن التاء زائدة. ألا ترى أنك تقول: "سماء"، و : (وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا) لأن هذه ليست تاء إنما هي هاء صارت تاء بالاتصال، وإنما تكون تلك في السكوت. ألا ترى أنك تقول: "رأيت ساده" فلا يكون فيها تاء. ومن قرأ : (أطعنا ساداتنا) [ ص: 58 ] جر لأنك إذا قلت: "سيد" ذهبت التاء. وتكون في السكت فيها تاء، تقول: "رأيت سادات".
وإنما جروا هذا في النصب ليجعل جره ونصبه واحدا، كما جعل تذكيره في الجر والنصب واحدا، تقول: "مسلمين و "صالحين" نصبه وجره بالياء. وقوله: (بيوتا غير بيوتكم) و : (لا ترفعوا أصواتكم) فإن التاء من أصل الكلمة تقول: "صوت" و "صويت" فلا تذهب التاء، و "بييت" فلا تذهب التاء. وتقول: "رأيت بيوتات العرب" فتجر؛ لأن التاء الآخرة زائدة لأنك تقول: "بيوت" فتسقط التاء الآخرة. وتقول: "رأيت ذوات مال" لأن التاء زائدة، وذلك لأنك لو سكت على الواحدة لقلت: "ذاه" ولكنها وصلت بالمال فصارت تاء ولا يتكلم بها إلا مع المضاف إليه.
وقوله: (هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها) لأنه في معنى "جيئوا به" وليس في معنى "أعطوه". فأما قوله: (متشابها) فليس أنه أشبه بعضه بعضا ولكنه متشابه في الفضل. أي كل واحد له من الفضل في نحوه مثل الذي للآخر في نحوه.
وقوله: (إن الله لا يستحيي أن) فـ "يستحيي" لغة أهل الحجاز بياءين، وبنو تميم يقولون "يستحي"،
[ ص: 59 ] بياء واحدة، والأولى هي الأصل؛ لأن ما كان من موضع لامه معتلا لم يعلوا عينه. ألا ترى أنهم قالوا: "حييت" و "حويت"، فلم تعل العين. ويقولون: "قلت" و "بعت" فيعلون العين لما لم تعل اللام، وإنما حذفوا لكثرة استعمالهم هذه الكلمة؛ كما قالوا "لم يك" و "لم يكن" و "لا أدر" و "لا أدري".
وقال: (مثلا ما بعوضة) لأن "ما" زائدة في الكلام وإنما هو إن الله لا يستحيي أن يضرب بعوضة مثلا". وناس من بني تميم يقولون : (مثلا ما بعوضة) يجعلون (ما) بمنزلة "الذي" ويضمرون "هو" كأنهم قالوا: "لا يستحيي أن يضرب مثلا الذي هو بعوضة" يقول: "لا يستحيي أن يضرب الذي هو بعوضة مثلا. وقوله: (فما فوقها) قال بعضهم: "أعظم منها" وقال بعضهم: كما تقول: "فلان صغير" فيقول: "وفوق ذاك " يريد: "أصغر من ذلك".
وقوله: (ماذا أراد الله بهذا مثلا)
[ ص: 60 ] فيكون "ذا" بمنزلة "الذي". ويكون "ماذا" اسما واحدا إن شئت بمنزلة "ما" كما قال: (ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا) فلو كانت "ذا" بمنزلة "الذي" لقالوا "خير" ولكان الرفع وجه الكلام. وقد يجوز فيه النصب؛ لأنه لو قال "ما الذي قلت"؟ لقلت "خيرا" أي: "قلت خيرا" لجاز. ولو قلت: "ما قلت؟": "فقلت: "خير" أي: "الذي قلت خير" لجاز، غير أنه ليس على اللفظ الأول كما يقول بعض العرب إذا قيل له: "كيف أصبحت"؟ قال: "صالح" أي: "أنا صالح". ويدلك على أن "ماذا" اسم واحد قول الشاعر:
(30) دعي ماذا علمت سأتقيه ولكن بالمغيب نبئيني
فلو كانت "ذا" ها هنا بمعنى (الذي) لم يكن كلاما.