فجعلها من "تتظاهرون" وأدغم التاء في الظاء وبها نقرأ. وقد قرئت: "تظاهرون" مخففة بحذف التاء الآخرة؛ لأنها زائدة لغير معنى.
قال: وإن يأتوكم أسرى.
وقرئت: أسارى، وذلك لأن "أسيرا": فعيل وهو يشبه مريضا؛
[ ص: 136 ] لأن به عيبا كما بالمريض، وهذا فعيل مثله وقد قالوا في جماعة المريض مرضى، وقالوا: أسارى فجعلوها مثل سكارى وكسالى؛ لأن جمع فعلان الذي به علة قد يشارك جمع فعيل وجمع فعل نحو: حبط وحبطى وحباطى وحبج وحبجى وحباجى. وقد قالوا "أسارى" كما قالوا: "سكارى".
وقال بعضهم :"تفدوهم".
من "تفدي" وبعضهم "تفادوهم" من "فادى" "يفادي" وبها نقرأ وكل ذلك صواب.
وقال: "فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي.
وقال: ما هذا إلا بشر مثلكم. "وما أمرنا إلا واحدة" رفع؛ لأن كل ما لا تحسن فيه الباء من خبر "ما" فهو رفع؛ لأن "ما" لا يشبه في ذلك الموضع بالفعل وإنما يشبه بالفعل في الموضع الذي تحسن فيه "الباء"؛ لأنها حينئذ تكون في معنى "ليس" لا يشركها معه شيء وذلك قول الله عز وجل : "ما هذا بشرا" وتميم ترفعه؛ لأنه ليس من لغتهم أن يشبهوا "ما" بالفعل.
[ ص: 137 ] وأما قوله: (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل) ثم قال: (وقولوا للناس حسنا) ثم قال: (ثم توليتم من بعد ذلك) فلأنه خاطبهم من بعدما حدث عنهم وذا في الكلام والشعر كثير. قال الشاعر: [ ]: كثير عزة
(113) أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة لدينا ولا مقلية إن تقلت
وإنما يريدون "تقليت". وقال الآخر: [ عنترة ]: (114) شطت مزار العاشقين فأصبحت عسرا علي طلابك ابنة مخرم
(115) إن تميما خلقت ملموما
فأراد القبيلة بقوله: "خلقت" ثم قال "ملموما" على الحي أو الرجل، ولذلك قال:
[ ص: 138 ]
مثل الصفا لا تشتكي الكلوما
ثم قال:قوما ترى واحدهم صهميما
فجاء بالجماعة لأنه أراد القبيلة أو الحي ثم قال:لا راحم الناس ولا مرحوما
وقال الشاعر [خفاف بن ندبة]: (116) أقول له والرمح يأطر متنه تأمل خفافا إنني أنا ذلكا
(117) وجفنة كإزاء الحوض مترعة ترى جوانبها بالشحم مفتوقا
(118 ) الحمد لله الأعز الأجلل أنت مليك الناس ربا فاقبل
(119) فإني لو ألاقيك اجتهدنا وكان لكل منكرة كفاء
فأبرئ موضحات الرأس منه وقد يشفي من الجرب الهناء
[ ص: 140 ] نسائكم"، وإنما يقال: "رفث بامرأته" ولا يقال: "إلى امرأته" وذا عندي كنحو ما يجوز من "إلى" في مكان "الباء" في مكانها وفي مكان "على" في قوله: (فأثابكم غما بغم) إنما هو "غما على غم": (ومن أهل الكتاب.... من إن تأمنه بدينار) أي: "على دينار" كما تقول: "مررت به" و"مررت عليه" كما قال الشاعر: - [ القحيف العقيلي ] وأخبرني من أثق به أنه سمعه من العرب -:
(120) إذا رضيت علي بنو قشير لعمر الله أعجبني رضاها
وقال: (ثم أنتم هؤلاء) وفي موضع آخر: (ها أنتم هؤلاء) كبعض ما ذكرنا وهو كثير في كلام العرب. ورد التنبيه توكيدا. وتقول: "ما أنا هذا" و"ما أنت هذا" فتجعل "هذا" للذي يخاطب، وتقول: "هذا أنت". وقد جاء أشد من ذا. قال الله عز وجل: (ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة) والعصبة هي التي تنوء بالمفاتيح. قال:
[ ص: 141 ] (121) تنوء بها فتثقلها عجيزتها
يريد: "تنوء بعجيزتها، أي: لا تقوم إلا جهدا بعد جهد" قال الشاعر [ ]: الأخطل
(122) مثل القنافذ هداجون قد بلغت نجران أو بلغت سواتهم هجر
(123) وتلحق خيل لا هوادة بينها وتشقى الرماح بالضياطرة الحمر
(124) لقد خفت حتى ما تزيد مخافتي على وعل بذي الفقارة عاقل