كذلك جميع الكلام إذا طال تجيء فيه أشياء ليس لها أجوبة في ذلك الموضع ويكون المعنى مستغنى به نحو قول الله عز وجل: (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا) فيذكرون تفسيره: "لو سيرت الجبال بقرآن غير هذا لكان هذا القرآن
[ ص: 143 ] ستسير به الجبال" فاستغني عن اللفظ بالجواب إذ عرف المعنى. وقال: (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب) ولم يجئ لـ "تحسبن" الأول بجواب وترك للاستغناء بما في القرآن من الأجوبة. وقال: (ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم) معناه "لا تحسبنه خيرا لهم" وحذف ذلك الكلام وكان فيما بقي دليل على المعنى. ومثله: (وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون) ثم قال: (وما تأتيهم من آية) من قبل أن يجيء بقوله "فعلوا كذا وكذا" لأن ذلك في القرآن كثير، استغني به. وكان في قوله: (وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين) دليل على أنهم أعرضوا فاستغني بهذا وكذلك جميع ما جاز
فيه نحو هذا. وقال: (فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا) فقال: (ليتبروا) على معنى: "خليناهم وإياكم لم نمنعكم منهم بذنوبكم". وقال: (ليسوءوا وجوهكم) ولم يذكر أنه خلاهم وإياهم على وجه الترك في حال الابتلاء بما سلفوا ثم لم يمنعهم من أعدائهم أن يسلطوا عليهم بظلمهم. وقال: (ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت) فليس لهذا جواب. وقال: (ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب) فجواب هذا إنما هو في المعنى، وهذا كثير. وسنفسر كلما مررنا به إن شاء الله. وزعموا أن هذا البيت ليس له جواب: [قال الشماخ ]:
[ ص: 144 ]
(126) ودوية قفر يمشي نعامها كمشي النصارى في خفاف الأرندج
يريد: "ورب دوية" ثم لم يأت له بجواب. وقال: [ عبد مناف بن ربع الهذلي ]: (127) حتى إذا أسلكوه في قتائدة شلا كما طرد الجمالة الشردا
(128) فإذا وذلك يا كبيشة لم يكن إلا كلمة حالم بخيال
وقال: (بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله)
فـ: (ما) وحدها اسم، و: (أن يكفروا) تفسير له نحو: "نعم رجلا زيد" و: (أن ينزل) بدل من: (بما أنزل الله) .