تنبيهات : الأول: قال النخعي: كانوا يكرهون أن يقولوا قراءة سالم، وقراءة وقراءة عبد الله، وقراءة أبي، بل يقال فلان كان يقرأ بوجه كذا، وفلان كان يقرأ بوجه كذا. قال زيد، النووي: والصحيح أن ذلك لا يكره. الثاني: قال أبو شامة: ظن قوم أن الموجودة الآن هي التي أريدت في الحديث، وهو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة، وإنما ظن ذلك بعض أهل الجهل. وقال القراءات السبع أبو العباس بن عمار: لقد فعل مسبع هذه السبعة ما لا ينبغي له. وأشكل هذا الأمر على العامة بإيهامه كل من قل نظره أن هذه القراءات المذكورة في الخبر، وليته إذا اقتصر نقص عن السبعة أو زاد ليزيل الشبهة. ووقع له أيضا في اقتصاره عن كل إمام على راويين - أنه صار من سمع قراءة راو ثالث غيرهما أبطلها، وقد تكون هي أشهر وأوضح وأظهر، وربما بالغ من لا يفهم فخطأ أو كفر. وقال ليست هذه السبعة متعينة للجواز حتى لا يجوز غيرها، كقراءة أبو بكر بن العربي: أبي جعفر، وشيبة، وغيرهم، فإن هؤلاء مثلهم أو فوقهم، وكذا قال غير واحد، منهم: والأعمش مكي، وآخرون من أئمة القراء. وقال وأبو العلاء الهمذاني، أبو حيان: ليس في كتاب ومن تبعه من القراءات المشهورة إلا النزر اليسير، فهذا ابن مجاهد اشتهر عنه سبعة عشر راويا، ثم ساق أسماءهم، واقتصر في كتاب أبو عمرو بن العلاء على ابن مجاهد واشتهر عن اليزيدي، عشرة [ ص: 124 ] أنفس، فكيف يقتصر على اليزيدي السوسي وليس لهما مزية على غيرهما، لأن الجميع مشتركون في الضبط والإتقان، والاشتراك في الأخذ. قال: ولا أعرف لهذا سببا إلا ما قضى من نقص العلم. وقال والدوري، من ظن أن قراءة هؤلاء القراء، مكي: كعاصم، ونافع، - أحد الحروف السبعة التي في الحديث - فقد غلط غلطا عظيما. قال: ويلزم من هذا أن ما خرج عن قراءة هؤلاء السبعة مما ثبت عن الأئمة وغيرهم، ووافق خط المصحف ألا يكون قرآنا، وهذا غلط عظيم، فإن الذين صنفوا في القراءات من الأئمة المتقدمين، وأبي عمرو كأبي عبيد القاسم بن سلام، وأبي حاتم السجستاني، وأبي جعفر الطبري، - قد ذكروا أضعاف هؤلاء، وكان الناس على رأس المائتين بالبصرة على قراءة وإسماعيل القاضي أبي عمرو، ويعقوب، وبالكوفة على قراءة حمزة، وعاصم، وبالشام على قراءة ابن عامر، وبمكة على قراءة ابن كثير، وبالمدينة على قراءة واستمروا على ذلك، فلما كان على رأس الثلاثمائة أثبت نافع، اسم ابن مجاهد وحذف الكسائي يعقوب. قال: والسبب في الاقتصار على السبعة - مع أن في أئمة القراء من هو أجل منهم قدرا، ومثلهم أكثر من عددهم - أن الرواة عن الأئمة كانوا كثيرا جدا، فلما تقاصرت الهمم اقتصروا على ما يوافق خط المصحف على ما يسهل حفظه وتنضبط القراءة به، فنظروا إلى من اشتهر بالثقة والأمانة وطول العمر في ملازمة القراءة به، والاتفاق على الأخذ عنه، فأفردوا من كل مصر إماما واحدا، ولم يتركوا مع ذلك نقل ما كان عليه الأئمة غير هؤلاء من القراء ولا القراءة به، كيعقوب، وأبي جعفر، وشيبة، وغيرهم. قال: وقد صنف ابن خبير المكي - قبل - كتابا في القراءات. فاقتصر على خمسة اختار من كل مصر إماما، وإنما اقتصر على ذلك لأن المصاحف التي أرسلها ابن مجاهد كانت خمسة إلى هذه الأمصار، ويقال: إنه وجه لسبعة: هذه الخمسة، ومصحفا إلى عثمان اليمن، ومصحفا إلى البحرين، لكن لما لم [ ص: 125 ] يسمع لهذين المصحفين خبر، وأراد وغيره مراعاة عدد المصاحف استبدلوا من مصحف ابن مجاهد البحرين واليمن قارئين كمل بهما العدد، فصادف ذلك موافقة العدد الذي ورد به الخبر، فوقع ذلك لمن لم يعرف أصل المسألة، ولم تكن له فطنة، فظن أن المراد بالأحرف السبعة القراءات السبع. والأصل المعتمد عليه صحة المسند في السماع، واستقامة الوجه في العربية. وموافقة الرسم. وأصح القراءات سندا نافع وأفصحها وعاصم، أبو عمرو وقال والكسائي. القراب في الشافي: التمسك بقراءات سبعة من القراء دون غيرهم ليس فيه أثر ولا سنة، وإنما هو من جمع بعض المتأخرين، فانتشر، وأوهم أنه لا تجوز الزيادة على ذلك، وذلك لم يقل به أحد. وقال الكواشي: كل ما صح سنده، واستقام وجهه في العربية، ووافق خط المصحف الإمام فهو من السبعة المنصوصة، ومتى فقد شرط من الثلاثة فهو شاذ. وقد اشتد إنكار الأئمة في هذا الشأن على من ظن انحصار القراءات المشهورة في مثل ما في التيسير والشاطبية، وآخر من صرح بذلك الشيخ تقي الدين السبكي، فقال في شرح المنهاج: قال الأصحاب: تجوز القراءة في الصلاة وغيرها بالقراءات السبع، ولا تجوز بالشاذة، وظاهر هذا يوهم أن غير السبع المشهورة من الشواذ. وقد نقل الاتفاق على القراءة بقراءة البغوي يعقوب مع السبع المشهورة، وهذا القول هو الصواب. قال: واعلم أن الخارج عن السبع المشهورة على قسمين: منه ما يخالف رسم المصحف فلا شك في أنه لا تجوز قراءته لا في الصلاة ولا في غيرها. ومنه ما لا يخالف رسم المصحف ولم تشتهر القراءة به، وإنما ورد من طريق غريب لا يعول عليها، وهذا يظهر المنع من القراءة به أيضا. [ ص: 126 ] ومنه ما اشتهر عند أئمة هذا الشأن القراءة به قديما وحديثا فهذا لا وجه للمنع منه، ومن ذلك قراءة وأبي جعفر يعقوب وغيره. وقال أول من يعتمد عليه في ذلك، فإنه جامع للعلوم، قال: وهكذا التفصيل في شواذ السبعة، فإن عنهم شيئا كثيرا شاذا. انتهى. وقال ولده في منع الموانع: إنما قلنا في جمع الجوامع والسبع متواترة، ثم قلنا في الشاذ: والصحيح أنه ما وراء العشرة، ولم نقل والعشر متواترة، لأن السبع لم يختلف في تواترها، فذكرنا أولا موضع الإجماع، ثم عطفنا عليه موضع الخلاف، فدل على أن القول بأن القراءات الثلاث غير متواترة في غاية السقوط، ولا يصح القول به عمن يعتبر قوله في الدين. قال: وهي لا تخالف رسم المصحف. قال: وسمعت أبي يشدد النكير على بعض القضاة، وقد بلغه أنه منعه من القراءة بها، واستأذنه بعض أصحابنا مرة في إقراء السبع، فقال: أذنت لك أن تقرأ لي العشر. انتهى. وقال في جواب سؤال سأله البغوي: ابن الجزري: القراءات السبع التي اقتصر عليها والثلاث التي هي قراءة الشاطبي أبي جعفر ويعقوب وخلف متواترة معلومة من الدين بالضرورة، وكل حرف انفرد به واحد من العشرة معلوم من الدين بالضرورة أنه قد قرئ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يكابر في شيء من ذلك إلا جاهل. الثالث: باختلاف القراءات يظهر الاختلاف في الأحكام، ولهذا بنى الفقهاء نقض وضوء الملموس وعدمه على اختلاف القراءة في: " لمستم " ، و " لامستم " النساء: 43 ، وجواز وطء الحائض عند الانقطاع قبل الغسل وعدمه على الاختلاف في يطهرن البقرة: 222. وقد حكوا خلافا غريبا في الآية إذا قرئت بقراءتين، فحكى في كتاب " البستان " قولين: أحدهما - أن الله تعالى قال بهما جميعا. الثاني: أن الله تعالى قال بقراءة واحدة، إلا أنه أذن أن تقرأ بقراءتين، ثم اختار [ ص: 127 ] توسطا، وهو أنه إن كان تفسير يغاير الآخر فقد قال بهما جميعا وتصير القراءتان بمنزلة آيتين، مثل: حتى يطهرن. وإن كان تفسيرهما واحدا كالبيوت والبيوت فإنما قال بأحدهما، وأجاز القراءة لكل قبيلة بهما على ما تعود لسانهم. قال: فإن قلتم إنه قال بإحداهما فأي القراءتين، قلنا: بلغة أبو الليث السمرقندي قريش. انتهى. وقال بعض المتأخرين: لاختلاف القراءة وتنوعها فوائد: منها التهوين والتسهيل والتخفيف على الأمة. ومنها إظهار فضلها وشرفها على سائر الأمم، إذ لم ينزل كتاب غيرهم إلا على وجه واحد. ومنها إظهار أجرها من حيث أنهم يفرغون جهدهم في تحقيق ذلك، وضبطه لفظة لفظة حتى مقادير المدات وتفاوت الإمالات، ثم في تتبع معاني ذلك واستنباط الحكم أو الأحكام من دلالة كل لفظ، وإمعانهم الكشف عن التوجيه والتعليل والترجيح. ومنها إظهار سر الله في كتابه وصيانته له عن التبديل والاختلاف، مع كونه على هذه الأوجه الكثيرة. ومنها المبالغة في إعجازه بإيجازه، إذ تنوع القراءات بمنزلة الآيات، ولو جعلت دلالة كل لفظة آية على حدة لم يخف ما كان من التطويل، ولهذا كان قوله: " وأرجلكم " منزلا لغسل الرجل والمسح على الخف، واللفظ واحد، لكن باختلاف إعرابه. ومنها أن بعض القراءات تبين ما لعله مجمل في القراءة الأخرى، فقراءة يطهرن - بالتشديد - مبينة لمعنى قراءة التخفيف. وقراءة: (فامضوا إلى ذكر الله) الجمعة: 9، - تبين أن المراد بقراءة " فاسعوا " الذهاب لا المشي السريع. وقال في " فضائل القرآن ": القصد من القراءة الشاذة تفسير القراءة المشهورة وتبيين معانيها، كقراءة أبو عبيد عائشة (والصلاة الوسطى صلاة [ ص: 128 ] العصر) . البقرة: 238. وقراءة وحفصة: (فاقطعوا أيمانهما) . المائدة: 38. وقراءة ابن مسعود: (فإن الله من بعد إكراههن لهن غفور رحيم) النور: 23. قال: فهذه الحروف وما شاكلها قد صارت مفسرة للقرآن، وقد كان يروى مثل هذا من التابعين في التفسير فيستحسن، فكيف إذا روي عن كبار الصحابة، ثم صار في نفس القراءة! فهو الآن أكثر من التفسير، وأقوى، فأدنى ما يستنبط من هذه الحروف معرفة صحة التأويل. وقد اعتنيت في كتابي " أسرار التنزيل " ببيان كل قراءة أفادت معنى زائدا على القراءة المشهورة. الرابع: اختلف في جابر: فنقل العمل بالقراءة الشاذة، في البرهان عن ظاهر مذهب إمام الحرمين أنه لا يجوز، وتبعه الشافعي وجزم به أبو نصر القشيري، لأنه نقله على أنه قرآن ولم يثبت. وذكر القاضيان: ابن الحاجب، أبو الطيب والحسين، والروياني، والرافعي - العمل بها تنزيلا لها منزلة خبر الآحاد. وصححه ابن السبكي في جمع الجوامع وشرح المختصر. وقد احتج الأصحاب على قطع يمين السارق بقراءة وعليه ابن مسعود، أيضا، واحتج على وجوب التتابع في صوم كفارة اليمين بقراءته: " متتابعات "، ولم يحتج بها أصحابنا لثبوت نسخها كما تقدم. أبو حنيفة