الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
" فصل " للناس في الفرق بين الكناية والتعريض عبارات متقاربة، فقال الزمخشري: الكناية ذكر الشيء بغير لفظه الموضوع له. والتعريض أن يذكر شيئا يدل به على شيء لم يذكره. وقال ابن الأثير: الكناية ما دل على معنى يجوز حمله على الحقيقة والمجاز بوصف جامع بينهما. والتعريض: اللفظ الدال على معنى لا من جهة الوضع الحقيقي أو المجازي كقول من يتوقع صلة: والله إني محتاج، فإنه تعريض بالطلب، مع أنه لم يوضع له حقيقة ولا مجازا، وإنما فهم من عرض اللفظ، أي جانبه. وقال السبكي في كتاب الإغريض في الفرق بين الكناية والتعريض: الكناية لفظ استعمل في معناه مرادا منه لازم المعنى، فهو بحسب استعمال اللفظ في المعنى حقيقة، والتجوز في إرادة إفادة ما لم يوضع له، وقد لا يراد منها المعنى، بل يعبر بالملزوم عن اللازم، وهي حينئذ مجاز. ومن أمثلته: قل نار جهنم أشد حرا . فإنه لم يقصد إفادة ذلك، لأنه معلوم، بل إفادة لازمه وهو أنهم يردونها ويجدون حرها إن لم يجاهدوا. وأما التعريض فهو لفظ استعمل في معناه للتلويح بغيره، نحو: قال بل فعله كبيرهم هذا . نسب الفعل إلى كبير الأصنام المتخذة آلهة، كأنه غضب أن تعبد الصغار معه، تلويحا لعابديها بأنها لا تصلح أن تكون آلهة لما يعلمون - إذا نظروا بعقولهم - من عجز كبيرها عن ذلك الفعل، والإله لا يكون عاجزا، فهو حقيقة أبدا [ ص: 221 ] وقال السكاكي: التعريض ما سيق لأجل موصوف غير مذكور، ومنه أن يخاطب واحد ويراد غيره، وسمي به لأنه أميل الكلام إلى جانب مشارا به إلى آخر، يقال: نظر إليه بعرض وجهه، أي جانبه. قال الطيبي: وذاك يفعل إما لتنويه جانب الموصوف، ومنه: ورفع بعضهم درجات ، أي محمدا - صلى الله عليه وسلم - إعلاء لقدره، أي أنه العلم الذي لا يشتبه. وإما التلطف به واحترازا عن المخاشنة، نحو: وما لي لا أعبد الذي فطرني ،: أي وما لكم لا تعبدون، بدليل قوله: وإليه ترجعون . وكذا قوله: أأتخذ من دونه آلهة . ووجه حسنه إسماع من يقصد خطابه الحق على وجه يمنع غضبه، إذ لم يصرح بنسبته للباطل، والإعانة على قبوله، إذ لم يرد له إلا ما أراد لنفسه. وإما لاستدراج الخصم إلى الإذعان والتسليم، ومنه: لئن أشركت ليحبطن . خوطب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأريد غيره، لاستحالة الشرك عليه شرعا. وإما للذم، نحو: إنما يتذكر أولو الألباب ، فإنه تعريض بذم الكفار، وأنهم في حكم البهائم الذين لا يتذكرون. وإما للإهانة والتوبيخ، نحو: وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت . فإن سؤالها لإهانة قاتلها وتوبيخه. قال السبكي: التعريض قسمان: قسم يراد به معناه الحقيقي، ويشار به إلى المعنى الآخر المقصود كما تقدم. وقسم لا يراد، بل يضرب مثلا للمعنى الذي هو مقصود التعريض، كقول إبراهيم: قال بل فعله كبيرهم هذا .

التالي السابق


الخدمات العلمية