فصل وقد يرد بمعنى الأمر، نحو: القصد بالخبر إفادة المخاطب. والوالدات يرضعن أولادهن . والمطلقات يتربصن . وبمعنى النهي، نحو: لا يمسه إلا المطهرون . وبمعنى الدعاء، نحو: وإياك نستعين . ومنه: تبت يدا أبي لهب ، فإنه دعاء عليه. وكذا: قاتلهم الله أنى يؤفكون . غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا . وجعل منه قوم: حصرت صدورهم . قالوا: هو دعاء عليهم بضيق صدورهم عن قتال أحد. ونازع ابن العربي في قولهم: إن الخبر يرد بمعنى الأمر أو النهي، فقال في قوله تعالى: فلا رفث ولا فسوق ، - ليس نفيا لوجود الرفث، بل لنفي مشروعيته، فإن الرفث يوجد من بعض الناس، وأخبار الله لا يجوز أن [ ص: 321 ] تقع بخلاف مخبره، وإنما يرجع النفي إلى وجوده مشروعا لا إلى وجوده محسوسا، كقوله: والمطلقات يتربصن ، ومعناه مشروعا لا محسوسا. فإنا نجد مطلقات لا يتربصن، فعاد النفي إلى الحكم الشرعي لا إلى الوجود الحسي. وكذا: لا يمسه إلا المطهرون ، أي لا يمسه أحد منهم شرعا، فإن وجد المس فعلى خلاف حكم الشرع. قال: وهذه الدقيقة التي فاتت العلماء، فقالوا: إن الخبر يكون بمعنى النهي وما وجد ذلك قط، ولا يصح أن يوجد، فإنهما مختلفان حقيقة متباينان وضعا. انتهى.
فرع من أقسامه على الأصح التعجب. قال ابن فارس: وهو تفضيل لشيء على أضرابه. وقال استعظام صفة، خرج بها المتعجب منه عن نظائره. وقال ابن الصائغ: معنى التعجب تعظيم الأمر في قلوب السامعين، لأن التعجب لا يكون إلا من شيء خارج عن نظائره وأشكاله. وقال الزمخشري: المطلوب في التعجب الإبهام، لأن من شأن الناس أن يتعجبوا مما لم يعرف سببه، فكلما استبهم السبب كان التعجب أحسن. قال: وأصل التعجب إنما هو للمعنى الخفي سببه. والصيغة الدالة عليه تسمى تعجبا مجازا، قال: ومن أجل الإبهام لم تعمل " نعم " إلا في الجنس من أجل التفخيم، ليقع التفسير على نحو التفخيم بالإضمار قبل الذكر. تم قد وضعوا للتعجب صيغا من لفظه، وهي ما أفعل، وأفعل به، وصيغا من غير لفظه، نحو " كبر " ، كقوله تعالى: الرماني: كبرت كلمة تخرج من أفواههم . كبر مقتا عند الله . كيف تكفرون بالله . [ ص: 322 ] قاعدة قال المحققون: إذا ورد التعجب من الله صرف إلى المخاطب، كقوله تعالى: فما أصبرهم على النار ، أي هؤلاء يجب أن يتعجب منهم. وإنما لا يوصف تعالى بالتعجب، لأنه استعظام يصحبه الجهل، وهو تعالى منزه عن ذلك، ولهذا تعبر جماعة بالتعجيب بدله، أي أنه تعجيب من الله للمخاطبين. ونظير هذا مجيء الدعاء والترجي منه تعالى، إنما هو بالنظر إلى ما تفهمه العرب، أي هؤلاء مما يجب أن يقال لهم: عندكم هذا. ولهذا قال في قوله تعالى: سيبويه لعله يتذكر أو يخشى . المعنى اذهبا على رجائكما وطمعكما. وفي قوله: ويل للمطففين . ويل يومئذ للمكذبين . لا نقول هذا دعاء، لأن الكلام بذلك قبيح، ولكن العرب إنما تكلموا بكلامهم، وجاء القرآن على لغتهم وعلى ما يعنونه، فكأنه قيل لهم: "ويل للمطففين "، أي هؤلاء ممن وجب هذا القول لهم، لأن هذا الكلام إنما يقال لصاحب الشر والهلكة، فقيل: هؤلاء ممن دخل في الهلكة. فرع من أقسام الخبر الوعد والوعيد، نحو: سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم . وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون . وفي كلام ابن قتيبة ما يوهم أنه إنشاء. فرع بل هو شطر الكلام كله. والفرق بينه وبين الجحد أن النافي إن كان صادقا سمي كلامه نفيا، ولا يسمى جحدا. وإن كان كاذبا سمي نفيا وجحدا أيضا، فكل جحد نفي، وليس كل نفي جحدا. ذكره من أقسام الخبر النفي، أبو جعفر النحاس وابن الشجري وغيرهما. [ ص: 323 ] مثال النفي: ما كان محمد أبا أحد من رجالكم . ومثال الجحد نفي فرعون وقومه آيات موسى، قال تعالى: فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا . وأدوات النفي: لا، ولات، وليس، وما، وإن، ولم، ولما، وستأتي في حروف المعجم. ونورد هنا فائدة زائدة، قال أصل أدوات النفي لا، وما، لأن النفي إما في الماضي وإما في المستقبل، والاستقبال أكثر من الماضي أبدا، ولا أخف من ما، فوضعوا الأخف للأكثر. ثم إن النفي في الماضي إما أن يكون نفيا واحدا مستمرا، أو نفيا فيه أحكام متعددة، وكذلك النفي في المستقبل، فصار النفي على أربعة أقسام. واختاروا له أربع كلمات: ما، ولم، ولن، ولا، فأما إن ولما فليسا بأصلين، فما ولا في الماضي والمستقبل متقابلان. ولم كأنه مأخوذ من لا وما، لأن لم نفي للاستقبال لفظا والمضي معنى، فأخذ اللام من لا التي هي لنفي المستقبل والميم من " ما "التي هي لنفي الماضي، وجمع بينهما إشارة إلى أن في "لم " إشارة إلى المستقبل والماضي، وقدم اللام على الميم إشارة إلى أن " لا " هي أصل النفي، ولهذا ينفى بها في أثناء الكلام، فيقال لم يفعل زيد ولا عمرو. أما لما فتركيب بعد تركيب، كأنه قال: لم وما لتوكيد معنى النفي في الماضي. وتفيد الاستقبال أيضا، ولهذا تفيد لما الاستمرار.
الخويي: