[ ص: 130 ] شبه مردودة :
هناك ، ونحن نورد أهمها ونرد عليها : شبه يثيرها أهل الأهواء لتوهين الثقة بالقرآن ، والتشكيك في دقة جمعه
1- قالوا : إن الآثار قد دلت على أن القرآن قد سقط منه شيء لم يكتب في المصاحف التي بأيدينا اليوم :
أ- عن قالت : عائشة . سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلا يقرأ في المسجد فقال : " يرحمه الله ، لقد أذكرني كذا وكذا آية من سورة كذا " ، وفي رواية : " أسقطتهن من آية كذا وكذا " ، وفي رواية : " كنت أنسيتها “
ويجاب عن هذا بأن تذكير الرسول -صلى الله عليه وسلم- بآية أو آيات قد أنسيها أو أسقطها نسيانا لا يشكك في جمع القرآن ، فإن الرواية التي جاء فيها التعبير بالإسقاط تفسرها الرواية الأخرى : " كنت أنسيتها " وهذا يدل على أن المراد بإسقاطها نسيانها ، كما يدل عليه لفظ " أذكرني " والنسيان جائز على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما لا يخل بالتبليغ ، وكانت هذه الآيات قد حفظها رسول الله ، واستكتبها كتاب الوحي ، وحفظها الصحابة في صدورهم ، وبلغ حفظها وكتابتها مبلغ التواتر ، فنسيان الرسول -صلى الله عليه وسلم- لها بعد ذلك لا يؤثر في دقة جمع القرآن ، وهذا هو غاية ما يدل عليه الحديث . ولذا كانت قراءة هذا الرجل -وهو أحد الحفظة الذين يبلغ عددهم حد التواتر- مذكرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقد أذكرني كذا وكذا آية " .
ب- وقال تعالى في سورة الأعلى : سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله ، والاستثناء يدل على أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنسي بعض الآيات .
ويجاب عن ذلك بأن الله تعالى قد وعد رسوله بإقراء القرآن وحفظه ، وأمنه من النسيان في قوله : سنقرئك فلا تنسى ولما كانت الآية توهم لزوم ذلك ، والله تعالى فاعل مختار : لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ، جاء الاستثناء [ ص: 131 ] إلا ما شاء الله للدلالة على أن هذا الإخبار بإقراء الرسول القرآن وتأمينه من النسيان ليس خارجا عن إرادته تعالى ، فإنه سبحانه لا يعجزه شيء ، يقول الشيخ محمد عبده في تفسير الآية : " ولما كان الوعد على وجه التأبيد واللزوم ، ربما يوهم أن قدرة الله لا تتسع غيره ، وأن ذلك خارج عن إرادته جل شأنه ، جاء بالاستثناء في قوله : إلا ما شاء الله فإنه إذا أراد أن ينسيك شيئا لم يعجزه ذلك ، فالقصد هو نفي النسيان رأسا ، وقالوا : إن ذلك كما يقول الرجل لصاحبه : " أنت سهيمي فيما أملك إلا ما شاء الله " لا يقصد استثناء شيء ، وهو من استعمال القلة في معنى النفي ، وعلى ذلك جاء الاستثناء ، في قوله تعالى في سورة هود : وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ ، أي غير مقطوع ، فالاستثناء في مثل هذا للتنبيه على أن ذلك التأبيد والتخليد بكرم من الله وسعة جوده ، لا بتحتيم عليه وإيجاب ، وأنه لو أراد أن يسلب ما وهب لم يمنعه من ذلك مانع .
وما ورد من أنه -صلى الله عليه وسلم- نسي شيئا كان يذكره ، فذلك إن صح ، فهو في غير ما أنزل الله من الكتاب والأحكام التي أمر بتبليغها ، وكل ما يقال غير ذلك فهو من مدخلات الملحدين ، التي جازت على عقول المغفلين ، فلوثوا بها ما طهره الله ، فلا يليق بمن يعرف قدر صاحب الشريعة -صلى الله عليه وسلم- ويؤمن بكتاب الله أن يتعلق بشيء من ذلك " . .
2- وقالوا : إن في القرآن ما ليس منه ، واستدلوا على ذلك بما روي من أن أنكر أن المعوذتين من القرآن . ابن مسعود
ويجاب عن ذلك بأن ما نقل عن -رضي الله عنه- لم يصح ، وهو مخالف لإجماع الأمة ، قال ابن مسعود النووي في شرح المهذب : " وأجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة من القرآن ، وأن من جحد شيئا منها كفر ، وما نقل عن باطل ليس بصحيح " ، وقال ابن مسعود ابن حزم : " هذا كذب على وموضوع " . ابن مسعود
[ ص: 132 ] وعلى فرض صحته ، فالذي يحتمل : أن لم يسمع المعوذتين من النبي -صلى الله عليه وسلم- فتوقف في أمرهما . ابن مسعود
وإنكار لا ينقض إجماع الأمة على أن المعوذتين من القرآن المتواتر . ابن مسعود
ومثل هذا يجاب به على ما قيل من أن مصحف قد أسقطت منه الفاتحة ، فإن الفاتحة هي أم القرآن ، ولا تخفى قرآنيتها على أحد . ابن مسعود
3- ويزعم نفر من غلاة الشيعة أن أبا بكر وعمر حرفوا القرآن ، وأسقطوا بعض آياته وسوره ، فحرفوا لفظ : أمة هي أربى من أمة ، والأصل : " أئمة هي أزكى من أئمتكم " ، وأسقطوا من سورة " الأحزاب " آيات فضائل أهل البيت ، وقد كانت في طولها مثل سورة " الأنعام " ، وأسقطوا سورة الولاية بتمامها من القرآن . وعثمان
ويجاب عن ذلك بأن هذه الأقوال أباطيل لا سند لها ، ودعاوي لا بينة عليها ، والكلام فيها حمق وسفاهة ، وقد تبرأ بعض علماء الشيعة من هذا السخف ، والمنقول عن -رضي الله عنه- الذي يدعون التشيع له ، يناقضه ، ويدل على انعقاد الإجماع بتواتر القرآن الذي بين دفتي المصحف ، فقد أثر عنه أنه قال في جمع علي : " أعظم الناس أجرا في المصاحف أبي بكر ، رحمة الله على أبو بكر ، هو أول من جمع كتاب الله " ، وقال في جمع أبي بكر : " يا معشر الناس ، اتقوا الله ، وإياكم والغلو في عثمان وقولكم : حراق مصاحف ، فوالله ما حرقها إلا عن ملأ منا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم " ، وقال : " لو كنت الوالي وقت عثمان لفعلت في المصاحف مثل الذي فعل عثمان " . عثمان
فهذا الذي أثر عن نفسه يقطع ألسنة أولئك المفترين الذين يزعمون نصرته فيهرفون بما لا يعرفون تشيعا له ، وهو منهم براء . علي
"