2- التعريف والتنكير :
للتنكير مقامات : منها : إرادة الوحدة كقوله : وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى ، أي رجل واحد - أو إرادة النوع كقوله : ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ، أي نوع من الحياة ، وهو طلب الزيادة في المستقبل ، لأن الحرص لا يكون على الماضي ولا على الحاضر - أو هما معا كقوله : والله خلق كل دابة من ماء ، أي كل نوع من أنواع الدواب من أنواع الماء ، وكل فرد من أفراد الدواب من فرد من أفراد النطف - أو التعظيم كقوله : فأذنوا بحرب من الله ، أي حرب عظيمة - أو التكثير كقوله : إن لنا لأجرا ، أي أجرا وافرا - أو هما معا كقوله : وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك ، أي رسل عظام ذوو عدد كثير - أو التحقير كقوله : من أي شيء خلقه ، أي من شيء هين حقير مهين - أو التقليل كقوله : وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ، أي رضوان قليل منه أكبر من الجنات لأنه رأس كل سعادة .
وأما التعريف فله مقامات تختلف باختلاف كل نوع من أنواع التعريف .
ويكون بالإضمار لأن المقام مقام المتكلم ، أو الخطاب ، أو الغيبة وبالعلمية لإحضاره بعينه في ذهن السامع ابتداء باسم يخصه - أو لتعظيمه كقوله : محمد رسول الله ، أو إهانته كقوله : تبت يدا [ ص: 190 ] أبي لهب وتب ، وبالإشارة لبيان حاله في القرب كقوله : هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه ، أو لبيان حاله في العبد كقوله : وأولئك هم المفلحون ، أو لقصد تحقيره بالقرب كقوله : وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب ، أو لقصد تعظيمه بالبعد كقوله : ذلك الكتاب لا ريب فيه ، أو التنبيه على أن المشار إليه المعقب بأوصاف جدير بما يرد بعده من أجلها كقوله : هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ، وبالموصول لكراهة ذكره باسمه سترا عليه ، أو غير ذلك كقوله : والذي قال لوالديه أف لكما ، وقوله : وراودته التي هو في بيتها عن نفسه ، أو لإرادة العموم كقوله : والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ، أو الاختصار كقوله : يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا ، إذ لو عدد أسماء القائلين لطال الكلام - وبالألف واللام للإشارة إلى معهود ذكري ، كقوله : الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري ، أو معهود ذهني كقوله : لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ، أو معهود حضوري كقوله : اليوم أكملت لكم دينكم ، أو لاستغراق الإفراد كقوله : إن الإنسان [ ص: 191 ] لفي خسر ، بدليل الاستثناء - أو لاستغراق خصائص الإفراد كقوله : ذلك الكتاب ، أي الكتاب الكامل في الهداية الجامع لجميع صفات الكتب المنزلة بخصائصها ، أو لتعريف الماهية والحقيقة والجنس ، كقوله : وجعلنا من الماء كل شيء حي .
وإذا ذكر الاسم مرتين فله أربع أحوال : لأنه إما أن يكونا معرفتين ، أو نكرتين ، أو الأول نكرة والثاني معرفة ، أو بالعكس .
1- فإن كانا معرفتين فالثاني هو الأول غالبا كقوله : اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم .
2- وإن كانا نكرتين فالثاني غير الأول غالبا كقوله : الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة ، فإن المراد بالضعف الأول النطفة ، وبالثاني الطفولية ، وبالثالث الشيخوخة ، وقد اجتمع القسمان في قوله تعالى : فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ، ولذلك روي عن : " لن يغلب عسر يسرين " لأن العسر الثاني أعاده بـ " الـ " ، فكان عين الأول ، ولما كان اليسر الثاني غير الأول لم يعده بـ " الـ " . ابن عباس
3- وإن كان الأول نكرة ، والثاني معرفة ، فالثاني هو الأول حملا على العهد . كقوله : كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول .
4- وإن كان الأول معرفة ، والثاني نكرة ، توقف المراد على القرائن ، فتارة تقوم قرينة على التغاير . كقوله : ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا [ ص: 192 ] غير ساعة ، وتارة تقوم قرينة على الاتحاد ، كقوله : ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون قرآنا عربيا . "