[ ص: 208 ] الاختلاف في معرفة المتشابه
وكما وقع الاختلاف في معنى كل من المحكم والمتشابه الخاصين وقع الاختلاف في إمكان معرفة المتشابه ، ومنشأ هذا الاختلاف اختلافهم في الوقف في قوله تعالى : والراسخون في العلم هل هو مبتدأ خبره يقولون والواو للاستئناف ، والوقف على قوله : وما يعلم تأويله إلا الله ؟ ، أو هو معطوف و يقولون حال ، والوقف على قوله : والراسخون في العلم .
فذهب إلى الأول " الاستئناف " طائفة منهم أبي بن كعب وابن مسعود وابن عباس وغيرهم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ، مستدلين بمثل ما رواه الحاكم في مستدركه عن ابن عباس أنه كان يقرأ : " وما يعلم تأويله إلا الله ويقول الراسخون في العلم آمنا به " .
وبقراءة ابن مسعود : " وإن تأويله إلا عند الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به " .
وبما دلت عليه الآية من ذم متبعي المتشابه ووصفهم بالزيغ وابتغاء الفتنة .
وعن عائشة قالت : تلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الآية : هو الذي أنزل عليك الكتاب . . . إلى قوله تعالى : أولو الألباب ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذرهم “ .
وذهب إلى الرأي الثاني " العطف " طائفة على رأسهم مجاهد ، فقد أخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله : والراسخون في العلم قال : " يعلمون تأويله ويقولون : آمنا به " . واختار هذا القول النووي ، فقال في شرح مسلم : إنه الأصح لأنه يبعد أن يخاطب الله عباده ، بما لا سبيل لأحد من الخلق إلى معرفته .
"


