( قوله : ولا الهالك بعد الوجوب ) أي فإن هلك المال كله سقط الواجب كله ، وإن بعضه فبحسابه ، وقال لا شيء في الهالك بعد الوجوب : يضمن إذا هلك بعد التمكن من الأداء ، وهو مبني على أن الزكاة تجب في العين أو في الذمة فعندنا تجب في العين ، وهو المشهور من قول الشافعي ، وفي قول له تجب في الذمة والعين مرتهنة بها كذا في غاية البيان ثم الظواهر تؤيد ما قلنا مثل قوله عليه الصلاة والسلام { الشافعي } أطلقه فشمل ما إذا تمكن من الأداء وفرط في التأخير حتى هلك ، وما إذا منع الإمام أو الساعي بعد الطلب حتى هلك ، وفي الثاني خلاف وعامتهم على السقوط ، وهو الصحيح ; لأنه لم يفوت بهذا المنع ملكا على أحد ، ولا يدا فصار كما لو طلب واحد من الفقراء ورجحه في فتح القدير بأنه الأشبه بالفقه لأن الساعي ، وإن تعين لكن للمالك رأي في اختيار محل الأداء بين العين والقيمة ثم القيمة شائعة في محال كثيرة ، والرأي يستدعي زمانا فالحبس لذلك ا هـ . هاتوا ربع العشور من كل أربعين درهما درهم
وقيد بالهلاك ; لأنه لو استهلكه بعد الحول لا تسقط عنه لوجود التعدي واختلف فيما لو حبس السائمة للعلف أو للماء حتى هلكت قيل هو استهلاك فيضمن وقيل لا يضمن كالوديعة إذا منعها لذلك حتى هلكت لم يضمن كذا في المعراج وقدمنا أن الإبراء عن الدين بعد الحول مطلقا ليس باستهلاك فلا زكاة فيه ، وفي الخانية واستبدال مال التجارة بمال التجارة ليس باستهلاك [ ص: 236 ] وبغير مال التجارة استهلاك واستبدال مال السائمة بالسائمة استهلاك وإقراض النصاب بعد الحول ليس باستهلاك ، وإن توى المال على المستقرض ، وكذا لو أعار ثوب التجارة بعد الحول ا هـ .
وإنما كان بيع السائمة استهلاكا مطلقا ; لأن الوجوب فيها متعلق بالصورة والمعنى فبيعها يكون استهلاكا لا استبدالا ، فإذا باعها ، فإن كان المصدق حاضرا فهو بالخيار إن شاء أخذ قيمة الواجب من البائع وتم البيع في الكل ، وإن شاء أخذ الواجب من العين المشتراة وبطل البيع في القدر المأخوذ ، وإن لم يكن حاضرا وقت البيع وحضر بعد التفرق عن المجلس فإنه لا يأخذه من المشتري ، وإنما يأخذ قيمة الواجب من البائع ولو فالمصدق بالخيار إن شاء أخذ من البائع ، وإن شاء من المشتري سواء حضر قبل الافتراق أو بعده لأنه تعلق العشر بالعين أكثر من تعلق الزكاة بها ألا ترى أن العشر لا يعتبر فيه المالك بخلاف الزكاة ، ولو باع طعاما وجب فيه العشر يؤخذ من تركته بخلاف الزكاة كذا في البدائع ، وفي معراج الدراية ولو استبدل السائمة بجنسها ينقطع حكم الحول ; لأن وجوب الزكاة في السائمة باعتبار عينها ، وفي غيرها باعتبار ماليتها فالعين الثانية في السائمة غير الأولى لفوات متعلق الوجوب بخلاف العروض ; لأن متعلق الوجوب هو المالية ، وهي باقية مع الاستبدال ا هـ . مات من عليه العشر قبل أدائه من غير وصية
وقيدوا بالاستبدال ; لأن إخراج مال الزكاة عن ملكه بغير عوض كالهبة من غير الفقير والوصية أو بعوض ليس بمال بأن تزوج امرأة أو صالح به عن دم العمد أو اختلعت به المرأة فهو استهلاك فيضمن به الزكاة ، وقولهم : إن استبدال مال التجارة بمثله ليس باستهلاك يستثنى منه ما إذا حابى بما لا يتغابن الناس في مثله فإنه يضمن قدر زكاة المحاباة ، ويكون دينا في ذمته ، وزكاة ما بقي تتحول إلى العين تبقى ببقائها كما في البدائع فإذا صار مستهلكا بالهبة بعد الحول فإذا رجع بقضاء أو غيره لا شيء عليه لو هلكت عنده بعده ; لأن الرجوع فسخ من الأصل ، والنقود تتعين في مثله فعاد إليه قديم ملكه ثم هلك فلا ضمان ، ولو رجع بعد ما حال الحول عند الموهوب له فكذلك خلافا فيما لو كان بغير قضاء فإنه يقول : يجب على الموهوب له فإنه مختار فكان تمليكا قلنا بل غير مختار ; لأنه لو امتنع عن الرد أجبر كذا في فتح القدير وقولهم : إن الرجوع فسخ من الأصل ليس على إطلاقه فقد صرحوا في الهبة أن الواهب لا يملك الزوائد المنفصلة برجوعه ، وفي الظهيرية : ولو لزفر يستأنف الحول في المستفاد من حين استفاده فهذه المسألة تدل على أن الرجوع في الهبة ليس فسخا للهبة من الأصل ; إذ لو كان فسخا لما وجب استئناف في المستفاد من وقت الاستفادة ا هـ . وهب النصاب ثم استفاد مالا في خلال الحول ثم رجع في الهبة
بلفظه ثم اعلم أنه لو فلا زكاة على واحد منهما كما في الخانية ، وهي من حيل إسقاط الزكاة قبل الوجوب كما لا يخفى ، وفي المعراج : ولو وهب النصاب في خلال الحول ثم تم الحول عند الموهوب له ثم رجع الواهب بقضاء ، أو غيره نصف الزكاة ; لأن أحدهما ليس بتابع للآخر بخلاف ما لو ربح بعد الحول مائتين ثم هلك نصف الكل مختلطا لم يسقط شيء ; لأن الربح تبع فيصرف الهلاك إليه كالعفو ، وعندهما لا يتصور العفو في غير السوائم ا هـ . حال الحول على مائتي درهم ثم ورث مثلها فخلطه بها وهلك النصف سقط
وسوى في المحيط بين الإرث والربح عندهما في عدم السقوط ، وعند يسقط نصفها وتمام تفاريعها فيه ، وفي المعراج ولو محمد قال باع السوائم قبل [ ص: 237 ] تمام الحول بيوم فرارا عن الوجوب يكره ، وقال محمد لا يكره ، وهو الأصح ولو باعها للنفقة لا يكره بالإجماع ولو احتال لإسقاط الواجب يكره بالإجماع ، ولو فر من الوجوب بخلا لا تأثيما يكره بالإجماع . ا هـ . أبو يوسف
[ ص: 235 ]