الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وكره الإغناء وندب عن السؤال ) أي كره أن يدفع إلى فقير ما يصير به غنيا وندب الإغناء عن سؤال الناس وإنما صح الإغناء ; لأن الغنى حكم الأداء فيتعقبه لكن يكره لقرب الغنى منه كمن صلى وبقربه نجاسة كما في الهداية ، وفي فتح القدير وقوله : فيتعقبه صريح في تعقب حكم العلة إياها في الخارج ، ولم يتعقبه وتعقبه في النهاية والمعراج بأنه ليس بمستقيم على الأصح من مذهبنا من أن حكم العلة الحقيقية لا يجوز تأخره عنها بل هما كالاستطاعة مع الفعل يقترنان وأجابا بأن معنى قوله أن الغنى حكم الأداء أي حكمه حكم الأداء ; لأن الأداء علة الملك ، والملك علة الغنى فكان الغنى مضافا إلى الأداء بواسطة الملك كالإعتاق في شراء القريب فكان للأداء شبهة السبب الحقيقي ، والسبب الحقيقي مقدم على الحكم حقيقة ، وما يشبه السبب من العلل له شبهة التقدم ا هـ .

                                                                                        وإنما عممنا في المدفوع ، ولم نقيده بمائتي درهم ; لأنه لو كان له مائة وتسعة وتسعون درهما فتصدق عليه بدرهمين قال أبو يوسف : يأخذ واحدا ، ويرد واحدا كذا في الفتاوى الظهيرية وإنما قيدنا بقولنا يصير غنيا ; لأنه لو دفع مائتي درهم فأكثر لمديون لا يفضل له بعد دينه نصاب لا يكره وكذا لو كان معيلا إذا وزع المأخوذ على عياله لم يصب كلا منهم نصاب وأطلق في استحباب الإغناء عن السؤال ، ولم يقيده بأداء قوت يومه كما وقع في غاية البيان ; لأن الأوجه النظر إلى ما يقتضيه الأحوال في كل فقير من عيال وحاجة أخرى كدين [ ص: 269 ] وثوب وغير ذلك والحديث وارد في صدقة الفطر كذا في فتح القدير وقال فخر الإسلام من أراد أن يتصدق بدرهم فاشترى به فلوسا ففرقها فقد قصر في أمر الصدقة ; لأن الجمع كان أولى من التفريق

                                                                                        [ ص: 268 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 268 ] ( قوله : لأنه لو كان له مائة إلخ ) عبارة النهر في شرح قوله وكره الإغناء بأن يدفع إلى فقير ما به يصير غنيا إما بأن يعطيه نصابا أو يكمله له حتى لو كان له مائة وتسعة وتسعون درهما فأعطاه درهما كره أيضا كما في الظهيرية ا هـ .

                                                                                        وهذا ظاهر لكن الذي رأيته في الظهيرية مثل ما ذكره المؤلف ، ونصه قبيل كتاب الصوم قال هشام : سألت أبا يوسف رحمهما الله - تعالى - عن الرجل له مائة وتسعة وتسعون درهما فتصدق عليه بدرهمين قال يأخذ واحدا ويرد واحدا ا هـ .

                                                                                        وهو كذلك في التتارخانية عن المنتقى فليتأمل ثم رأيت في حاشية نوح أفندي على الدرر ذكر ما في النهر ثم قال : وهذا عند أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف : جاز إعطاؤه مائتي درهم بدون الكراهة وفوق المائتين مع الكراهة ثم ذكر ما في الظهيرية عن الجوهرة

                                                                                        وقد راجعت المنظومة ودرر البحار فلم أجد هذا الخلاف نعم ذكره في النهاية بلفظ : وعن أبي يوسف أنه لا بأس بإعطاء المائتين إليه بعد قوله يكره عندنا فأفاد أنه رواية عنه ، ويمكن أن يكون ما في الظهيرية على هذه الرواية عنه ، ولكن على هذا يرد على المؤلف أنه لا يناسب ما ذكره أولا من كراهة دفع ما يصير به غنيا فالأظهر ما سلكه في النهر تأمل .




                                                                                        الخدمات العلمية