( باب ما يفسد الصوم وما لا يفسده ) الفساد والبطلان في العبادات بمعنى واحد ، وهو عدم الصحة ، وهي عند الفقهاء اندفاع وجوب القضاء بالإتيان بالشرائط ، والأركان ، وقد يظن أنه الصحة والفساد في العبادات من أحكام الشرع الوضعية ، وقد أنكر ذلك ، وإنما حكمنا به عقلي على ما عرف في تحرير الأصول بخلافهما في المعاملات ، فإن ترتب أثر المعاملة مطلوب التفاسخ شرعا هو الفساد ، وغير مطلوب التفاسخ هو الصحة ، وعدم ترتب الأثر أصلا هو البطلان ( قوله فإن أكل الصائم ، أو شرب أو جامع ناسيا إلى آخره ) لحديث الجماعة إلا النسائي { من نسي ، وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه } والمراد بالصوم الشرعي لا اللغوي الذي هو مطلق الإمساك للاتفاق على أن الحمل على المفهوم الشرعي حيث أمكن في لفظ الشارع واجب خصوصا قد ورد في صحيح ابن حبان { ، ولا قضاء عليك } وعند البزار { فلا يفطر } وألحق الجماع به دلالة للاستواء في الركنية لا قياسا فاندفع به القياس المقتضي للفطر لفوات الركن ، وحقيقة النسيان عدم استحضار الشيء وقت حاجته قالوا : وليس عذرا في حقوق العباد ، وفي حقوقه - تعالى - عذر في سقوط الإثم أما الحكم فإن كان مع مذكر ، ولا داعي إليه كأكل المصلي لم يسقط لتقصيره بخلاف سلامه في القعدة فإنه ساقط لوجود الداعي ، وإن لم يكن مع مذكر وله داع كأكل الصائم سقط ، وإن لم يكن معه مذكر ، ولا داع فأولى بالسقوط كترك الذابح التسمية ، وخرج ما إذا أكل ناسيا فذكره إنسان بالصوم ، ولم يتذكر فأكل فسد صومه في الصحيح خلافا لبعضهم كذا في الظهيرية ; لأنه أخبر بأن هذا الأكل حرام عليه ، وخبر الواحد في الديانات مقبول فكان يجب أن يلتفت إلى تأمل الحال لوجود المذكر
[ ص: 292 ] والأولى أن لا يذكره إن كان شيخا ; لأن ما يفعله الصائم ليس بمعصية فالسكوت عنه ليس بمعصية ، ولأن الشيخوخة مظنة المرحمة ، وإن كان شابا يقوى على الصوم يكره أن لا يخبره والظاهر أنها تحريمية ; لأن الولوالجي قال : يلزمه أن يخبره ويكره تركه أطلقه فشمل الفرض والنفل ، ولو بدأ بالجماع ناسيا فتذكر إن نزع من ساعته لم يفطر ، وإن دام على ذلك حتى أنزل فعليه القضاء ثم قيل : لا كفارة عليه ، وقيل : هذا إذا لم يحرك نفسه بعد التذكر حتى أنزل فإن حرك نفسه بعده فعليه الكفارة كما لو نزع ثم أدخل ، ولو جامع عامدا قبل الفجر وطلع النزع في الحال فإن حرك نفسه فهو على هذا نظير ما قالوا لو أولج ثم قال لها : إن جامعتك فأنت طالق أو حرة إن نزع أو لم ينزع ، ولم يتحرك حتى أنزل لم تطلق ، ولا تعتق ، وإن حرك نفسه طلقت وعتقت ويصير مراجعا بالحركة الثانية ، ويجب للأمة العقر ، ولا حد عليها كذا في فتح القدير ، وفي الفتاوى الظهيرية رجل أصبح يوم الشك متلوما ثم أكل ناسيا ثم ظهر أنه من رمضان ونوى صوما ذكر في الفتاوى أنه لا يجوز ، وفي البقالي النسيان قبل النية كما بعدها ، وصححه في القنية قيد بالناسي ; لأنه لو كان مخطئا أو مكرها فعليه القضاء خلافا للشافعي ، فإنه يعتبر بالناسي ، ولنا أنه لا يغلب وجوده وعذر النسيان غالب ، ولأن النسيان من قبل من له الحق ، والإكراه من قبل غيره فيفترقان كالمقيد والمريض العاجز عن الأداء بالرأس في قضاء الصلاة حيث يقضي المقيد لا المريض
وأما حديث { رفع عن أمتي الخطأ } فهو من باب الاقتضاء ، وقد أريد الحكم الأخروي فلا حاجة إلى إرادة الدنيوي ; إذ هو لا عموم له كما عرف في الأصول ، وحقيقة الخطأ أن يقصد بالفعل غير المحل الذي يقصد به الجناية كالمضمضة تسري إلى الحلق ، والفرق بين صورة الخطأ والنسيان هنا أن المخطئ ذاكر للصوم ، وغير قاصد للشرب والناسي عكسه في غاية البيان ، وقد يكون المخطئ غير ذاكر للصوم وغير قاصد للشرب لكنه في حكم الناسي هنا كما في النهاية والمؤاخذة بالخطأ جائزة عندنا خلافا للمعتزلة وتمامه في تحرير الأصول ومما ألحق بالمكره النائم إذا صب في حلقه ما يفطر ، وكذا النائمة إذا جامعها زوجها ، ولم تنتبه ، وفي الفتاوى الظهيرية : ولو أن رجلا رمى إلى رجل حبة عنب فدخلت حلقه ، وهو ذاكر لصومه يفسد صومه ، وما عن نصير بن يحيى فيمن اغتسل ودخل الماء في حلقه لم يفسد ا هـ .
[ ص: 293 ] خلاف المذهب ، وفي فتاوى قاضي خان : النائم إذا شرب فسد صومه وليس هو كالناسي ; لأن النائم ذاهب العقل وإذا ذبح لم تؤكل ذبيحته ، وتؤكل ذبيحة من نسي التسمية .


