( قوله : أو احتلم أو أنزل بنظر ) أي لا يفطر لحديث السنن { } ولأنه لم يوجد الجماع صورة لعدم الإيلاج حقيقة ، ولا معنى لعدم الإنزال عن شهوة المباشرة ; ولهذا ذكر لا يفطر من قاء ، ولا من احتلم ، ولا من احتجم الولوالجي في فتاويه بأن من لا يفسد صومه ، وهو بمنزلة الاحتلام لوجود صورة الجماع معنى قالوا جامع في رمضان قبل الصبح فلما خشي أخرج فأنزل بعد الصبح يجب عليه القضاء ، وهو المختار كذا في التجنيس والولوالجية وبه قال عامة المشايخ كذا في النهاية الصائم إذا عالج ذكره حتى أمنى
واختار أبو بكر الإسكاف أنه لا يفسد وصححه في غاية البيان بصيغة : والأصح عندي قول لعدم الصورة والمعنى ، وهو مردود ; لأن المباشرة المأخوذة في معنى الجماع أعم من كونها مباشرة الغير أولا بأن يراد مباشرة هي سبب الإنزال سواء كان ما بوشر مما يشتهى عادة أو لا ولهذا أفطر بالإنزال في فرج البهيمة والميتة وليسا مما يشتهى عادة وأما ما نقل عن أبي بكر من عدم الإفطار بالإنزال في البهيمة فقال الفقيه أبي بكر : إن هذا القول زلة منه أبو الليث إن أراد الشهوة لا يحل لقوله عليه السلام { وهل يحل الاستمناء بالكف خارج رمضان ناكح اليد ملعون } ، وإن أراد تسكين الشهوة يرجى أن لا يكون عليه وبال كذا في الولوالجية وظاهره أنه في رمضان لا يحل مطلقا أطلق في النظر فشمل ما إذا نظر إلى وجهها أو فرجها كرر النظر أو لا وقيد به ; لأنه لو فسد صومه لوجود معنى الجماع بخلاف ما إذا لم ينزل حيث لا يفسد لعدم المنافي صورة ومعنى ، وهو محمل قوله أو قبل بخلاف الرجعة والمصاهرة ; لأن الحكم هناك أدبر على السبب على ما يأتي إن شاء الله - تعالى - قبلها بشهوة فأنزل
واللمس والمباشرة والمصافحة والمعانقة كالقبلة ، ولا كفارة عليه ; لأنها تفتقر إلى كمال الجناية لما بينا أن الغالب فيها العقوبة ; لأن الكفارة لجبر الفائت ، وهو قد حصل فكانت زاجرة فقط ولهذا تندرئ بالشبهات ، ولا بأس بالقبلة إذا أمن على نفسه الجماع والإنزال ، ويكره إذا لم يأمن ; لأن عينه ليس بمفطر وربما يصير فطرا بعاقبته فإن أمن اعتبر عينه وأبيح له ، وإن لم يأمن اعتبر عاقبته ويكره له والمباشرة كالقبلة في ظاهر الرواية وعن أنه كره المباشرة الفاحشة واختار في فتح القدير رواية محمد ; لأنها سبب غالب للإنزال ، وجزم بالكراهة من غير ذكر خلاف محمد الولوالجي في فتاويه ويشهد للتفصيل المذكور في القبلة الحديث من ترخيصه للشيخ ونهيه الشاب ، والتقبيل الفاحش كالمباشرة الفاحشة ، وهو أن يمضغ شفتيها كذا في معراج الدراية وقيدنا بكونه قبلها ; لأنها لو قبلته ووجدت لذة الإنزال ، ولم تر بللا فسد صومها عند خلافا أبي يوسف وكذا في وجوب الغسل كذا في المعراج والمراد باللمس اللمس بلا حائل فإن مسها وراء الثياب فأمنى فإن وجد حرارة جلدها فسد ، وإلا فلا ولو لمحمد لم يفسد صومه مست زوجها فأنزل
وقيل : إن تكلف له فسد كذا في المعراج أيضا ، وفي الذخيرة ولو مس فرج بهيمة فأنزل لا يفسد صومه بالاتفاق ، وفي الفتاوى الظهيرية فإن عملت المرأتان عمل الرجال من الجماع في رمضان إن أنزلتا فعليهما القضاء ، وإن لم ينزلا فلا غسل ، ولا قضاء وأشار إلى أنه لو أصبح جنبا لا يضره كذا في المحيط ( قوله أو ادهن أو احتجم أو اكتحل أو قبل ) أي لا يفطر ; لأن الادهان غير مناف للصوم ، ولعدم وجود المفطر صورة ومعنى والداخل من المسام لا من المسالك فلا ينافيه كما لو اغتسل بالماء البارد ، ووجد برده في كبده ، وإنما كره الدخول في الماء والتلفف بالثوب المبلول لما فيه من إظهار الضجر في إقامة العبادة لا ; لأنه قريب من الإفطار كذا في فتح القدير أبو حنيفة
وقال : لا يكره ذلك كذا في المعراج وكذا [ ص: 294 ] الاحتجام غير مناف أيضا ، ولما روينا من الحديث ، وهو مكروه للصائم إذا كان يضعفه عن الصوم أما إذا كان لا يخافه فلا بأس كذا في غاية البيان وكذا الاكتحال ، وأطلقه فأفاد أنه لا فرق بين أن يجد طعمه في حلقه أو لا وكذا لو بزق فوجد لونه في الأصح ; لأن الموجود في حلقه أثره لا عينه كما لو ذاق شيئا ، وكذا لو أبو يوسف لا يفسد صومه كهذا في الظهيرية ، وفي الولوالجية والظهيرية : ولو صب في عينه لبن أو دواء مع الدهن فوجد طعمه ، أو مرارته في حلقه لا يفسد صومه فإن فعل هذا بالفانيد أو السكر يلزمه القضاء والكفارة ، وفي مآل الفتاوى لو أفطر على الحلاوة فوجد طعمها في فمه في الصلاة لا تفسد صلاته وأما القبلة فقد تقدم الكلام عليها مص الهليلج وجعل يمضغها فدخل البزاق حلقه ، ولا يدخل عينها في جوفه
( قوله أو ) يعني لا يفطر ; لأن الذباب لا يستطاع الامتناع عنه فشابه الدخان والغبار لدخولهما من الأنف إذا طبق الفم قيد بما ذكر ; لأنه لو وصل لحلقه دموعه أو عرقه أو دم رعافه أو مطر أو ثلج فسد صومه لتيسر طبق الفم وفتحه أحيانا مع الاحتراز عن الدخول ، وإن ابتلعه متعمدا ألزمته الكفارة ، واعتبار الوصول إلى الحلق في الدمع ونحوه مذكور في فتاوى دخل حلقه غبار أو ذباب ، وهو ذاكر لصومه قاضي خان ، وهو أولى مما في الخزانة من تقييد الفساد بوجدان الملوحة في الأكثر من قطرتين ونفي الفساد في القطرة والقطرتين ; لأن القطرة يجد ملوحتها فلا معول عليه ، والتعليل في المطر بما ذكرنا أولى مما في الهداية والتبيين من التعليل بإمكان أن تأويه خيمة أو سقف فإنه يقتضي أن المسافر الذي لا يجد ما يأويه ليس حكمه كغيره وليس كذلك ، وفي الفتاوى الظهيرية : وإذا نزل الدموع من عينيه إلى فمه فابتلعها يجب القضاء بلا كفارة
وفي متفرقات الفقيه أبي جعفر إن تلذذ بابتلاع الدموع يجب القضاء مع الكفارة ، وغبار الطاحونة كالدخان ، وفي الولوالجية إن كانت الغلبة للبزاق لا يفسد صومه ، وإن كانت للدم فسد ، وكذا إن استويا احتياطا ثم قال : الدم إذا خرج من الأسنان ودخل الحلق لا شيء عليه ; لأنه بمنزلة ريقه إلا أن يجعله على كفه ثم يبتلعه فيكون عليه القضاء ، وفي الظهيرية وكذا المخاط والبزاق يخرج من فيه أو أنفه فاستشمه واستنشقه لا يفسد صومه ، وفي فتح القدير لو ابتلع ريق غيره أفطر ، ولا كفارة عليه وليس على إطلاقه فسيأتي في آخر الكتاب في مسائل شتى أنه لو ابتلع بزاق غيره كفر لو صديقه وإلا لا أقره عليه الصائم إذا دخل المخاط أنفه من رأسه ثم استشمه ودخل حلقه على تعمد منه الشارح الزيلعي
( قوله أو أكل ما بين أسنانه ) أي لا يفطر ; لأنه قليل لا يمكن الاحتراز عنه فجعل بمنزلة الريق ، ولم يقيده المصنف بالقلة مع أن الكثير مفسد موجب للقضاء دون الكفارة عند خلافا أبي يوسف لما أن الكثير لا يبقى بين الأسنان ، وهو مقدار الحمصة على رأي لزفر الصدر الشهيد أو ما يمكن أن يبتلعه من غير ريق على ما اختاره الدبوسي واستحسنه ابن الهمام وما دونه قليل ، وأطلقه فشمل ما إذا ابتلعه أو مضغه ، وسواء قصد ابتلاعه أو لا كما في غاية البيان وقيد بأكله ; لأنه لو أخرجه ثم ابتلعه فسد صومه كما لو ابتلع سمسمة أو حبة حنطة من خارج لكن تكلموا في وجوب الكفارة والمختار الوجوب كذا في فتاوى قاضي خان ، وهو الصحيح كذا في المحيط بخلاف ما لو مضغها حيث لا يفسد ; لأنها تتلاشى إلا إذا كان قدر الحمصة فإن صومه يفسد ، وفي الكافي في السمسمة قال إن مضغها لا يفسد إلا إن وجد طعمها في حلقه قال في فتح القدير ، وهذا حسن جدا فليكن الأصل في كل قليل مضغه
وصرح في المحيط بما في الكافي ، وفي الفتاوى الظهيرية : روي عن أنه خرج على أصحابه يوما وسألهم عن هذه المسألة فقال : ماذا تقولون في محمد قالوا : لا ، قال : أرأيتم لو أكل كفا من سمسم واحدة بعد واحدة وابتلع كما هي قالوا : صائم رمضان إذا ابتلع سمسمة واحدة كما هي أيفطر
[ ص: 295 ] نعم وعليه الكفارة قال بالأولى أم بالأخيرة قالوا لا بل بالأولى قال الحاكم الإمام محمد بن يوسف فعلى قياس هذه الرواية يجب القضاء مع الكفارة إذا ابتلعها كما هي ا هـ .
وتقدم أن وجوب الكفارة هو المختار وذكر قبلها ، وإذا ابتلع حبة العنب إن مضغها قضى وكفر ، وإن ابتلعها كما هي لم يكن معها ثفروقها فعليه القضاء والكفارة بالاتفاق ، وإن كان معها ثفروقها قال عامة العلماء : عليه القضاء مع الكفارة ، وقال أبو سهيل : لا كفارة عليه ، وهو الصحيح ; لأنها لا تؤكل مع ذلك عادة وأراد بالثفروق ها هنا ما يلتزق بالعنقود من حب العنب وثقبته مسدودة به ، وإن ابتلع تفاحة روى هشام عن أن عليه الكفارة ثم ما يفسد الصوم فإنه يفسد الصلاة ، وهو قدر الحمصة ، وفي البزازية محمد لا تبطل الصلاة ما لم تبلغ ملء الفم وقدر الحمصة لا يفسد الصلاة بخلاف الصوم ( قوله أو قاء وعاد لم يفطر ) لحديث السنن { أكل بعض لقمة وبقي البعض بين أسنانه فشرع فيها وابتلع الباقي فليس عليه القضاء ، وإن استقاء فليقض ذرعه القيء ، وهو صائم } وإنما ذكر العود ليفيد أن مجرد القيء بلا عود لا يفطر بالأولى وأطلقه فشمل ما إذا ملأ الفم أو لا ، وفيما إذا عاد وملأ الفم خلاف من والصحيح قول أبي يوسف لعدم وجود الصنع ولعدم وجود صورة الفطر ، وهو الابتلاع ، وكذا معناه ; لأنه لا يتغذى به بل النفس تعافه . محمد