( قوله : ولو أمسك يومه ولم يقض شيئا ) فالإمساك قضاء لحق الوقت بالتشبه وعدم القضاء لعدم وجوب الصوم عليهما فيه وأطلق الإمساك ولم يبين صفته للاختلاف فيه والأصح الوجوب لموافقته للدليل وهو ما ثبت من أمره عليه الصلاة والسلام بالإمساك لمن أكل في يوم عاشوراء حين كان واجبا وأطلق في عدم القضاء فشمل ما إذا أفطرا في ذلك اليوم أو صاماه وسواء كان قبل الزوال أو بعده ; لأن الصوم لا يتجزأ وجوبا كما لا يتجزأ أداء وأهلية الوجوب منعدمة في أوله فلا يجب ، وقيد بالصوم ; لأنه لو بلغ صبي أو أسلم كافر وجبت عليه اتفاقا وهو قياس بلغ أو أسلم في أثناء وقت الصلاة أو في آخره وفرق أئمتنا بين الصوم والصلاة بأن السبب في الصلاة الجزء المتصل بالأداء فوجدت الأهلية عنده وفي الصوم الجزء الأول هو السبب والأهلية معدومة عنده . قال في فتح القدير : وعلى هذا فقولهم في الأصول : الواجب المؤقت قد يكون الوقت فيه سببا للمؤدى وظرفا له كوقت الصلاة أو سببا ومعيارا وهو ما يقع فيه مقدرا به كوقت الصوم تساهل ; إذ يقتضي أن السبب تمام الوقت فيهما ، وقد بان خلافه ثم على ما بان من تحقيق المراد قد يقال يلزم أن لا يجب الإمساك في نفس الجزء الأول من اليوم ; لأنه هو السبب للوجوب ، وإلا لزم سبق الوجوب على السبب ; للزوم تقدم السبب فالإيجاب فيه يستدعي سببا سابقا والفرض خلافه ولو لم يستلزم ذلك لزم كون ما ذكروه في وقت الصلوات من أن السببية تضاف إلى الجزء الأول فإن لم يؤد عقيبه انتقلت إلى ما يلي ابتداء الشروع فإن لم يشرع إلى الجزء الأخير تقررت السببية فيه واعتبر حال المكلف عنده تكلف مستغنى عنه إذ لا داعي لجعله ما يليه دون ما يقع فيه . ا هـ . زفر
وقد يقال : إن قولهم يقتضي أن السبب تمام الوقت مسلم لو سكتوا وهم قد صرحوا بأنه لا يمكن جعل كل الوقت سببا في الصلاة وذكروا أن السببية تنتقل من جزء إلى جزء ، وقوله ثم على ما بان إلى آخره فيه بحث أما على اختيار شمس الأئمة السرخسي من أن السببية لليالي والأيام فقد وجد السبب بالليلة فالإمساك إنما وجب في الجزء الأول باعتبار سبق .
[ ص: 311 ] السبب عليه وهو الليل وأما على اختيار غيره من أن السببية خاصة بالأيام وأن الليالي لا دخل لها في السببية فلأن لزوم تقدم السبب إنما هو عند الإمكان أما عند عدم الإمكان فلا والصوم منه ; لأن وقته معيار له مقدر به يزيد بزيادته وينقص بنقصانه فلا يمكن أن يكون الجزء الأول خاليا عن الصوم ليكون سببا متقدما ولا يمكن أن يكون ما قبله سببا لعدم الصلاحية فلزم فيه مقارنة السبب للمسبب وقد صرح بأن السبب في الصوم مقارن للمسبب صاحب كشف الأسرار شرح أصول فخر الإسلام البزدوي بخلاف وقت الصلاة فإنه ظرف فأمكن تقدم السبب على الحكم حتى لو لم يمكن بأن شرع في الجزء الأول سقط اشتراط تقدم السبب وجوزت المقارنة إذ لا يمكن جعل ما قبل الوقت سببا وذكر بعض المتأخرين من الأصوليين أن اليوم الكامل لا الجزء منه ولا شك في المقارنة على هذا وأشار السبب في الصوم المصنف بالمسألتين إلى أصل وهو أن كل من صار في آخر النهار بصفة لو كان في أول النهار عليها للزمه الصوم فعليه الإمساك كالحائض والنفساء تطهر بعد طلوع الفجر أو معه والمجنون يفيق والمريض يبرأ والمسافر يقدم بعد الزوال أو الأكل والذي أو أفطر عمدا أو خطأ أو مكرها أو أكل يوم الشك ثم استبان أنه من رمضان ومن لم يكن على تلك الصفة لم يجب الإمساك كما في حالة الحيض والنفاس ثم قيل الحائض تأكل سرا لا جهرا وقيل تأكل سرا وجهرا وللمريض والمسافر الأكل جهرا كذا في النهاية وغير في فتح القدير عبارة هذا الأصل فقال كل من تحقق بصفة في أثناء النهار أو قارن ابتداء وجودها طلوع الفجر وتلك الصفة بحيث لو كانت قبله واستمرت معه وجب عليه الصوم فإنه يجب عليه الإمساك تشبها . قال وقلنا كل من تحقق ولم نقل من صار بصفة إلى آخره يعني كما في النهاية ليشتمل من أكل عمدا في نهار رمضان ; لأن الصيرورة للتحول ولو لامتناع ما يليه ولا يتحقق المفاد بهما فيه . ا هـ . أفطر وهو يرى أن الشمس قد غربت أو تسحر بعد الفجر ولم يعلم
والحاصل أن من لم يدخل تحت عبارة النهاية باعتبار أنه لم يتجدد له حالة بعد فطره لم يكن عليها قبله وكلمة صار تفيد التحول من حالة إلى أخرى بخلاف تحقق ولا يخفى أن ما هرب منه وقع فيه ; لأنه وإن غير صار إلى تحقق أتى بكلمة لو المفيدة لامتناع ما يليه المفيدة أن الصفة لم تكن موجودة أول اليوم فلا يشمل كلامه من أكل عمدا فليتأمل فظهر من هذا أن من كان أهلا للصوم في أوله كمن أكل عمدا لا يدخل تحت الضابط أصلا على كل منهما وإنما أدرجوه في هذا الأصل وإن لم يدخل تحته باعتبار أن حكمه وجوب الإمساك تشبها فهو مثله ; لأن غرضهم بيان الأحكام وعبارة البدائع أولى وهي أما وجوب الإمساك تشبها بالصائمين فكل من أكل عمدا في نهار رمضان وصار بحال لو كان عليه في أول النهار لوجب عليه الصوم لا يباح له الفطر كالصبي إذا بلغ والكافر إذا أسلم والمجنون إذا أفاق والحائض إذا طهرت والمسافر إذا قدم وكذا كل من وجب عليه الصوم لوجود سبب الوجوب والأهلية ثم تعذر عليه المضي بأن أفطر متعمدا أو أصبح يوم الشك مفطرا ثم تبين أنه من رمضان أو تسحر على ظن أن الفجر لم يطلع ثم تبين أنه طالع فإنه يجب عليه الإمساك تشبها . ا هـ . كان له عذر في صوم رمضان في أول النهار مانع من الوجوب أو مبيح للفطر ثم زال عذره
فقد جعل لوجوب الإمساك أصلين وجعل بعض الفروع مخرجة على أصل وبعضها على آخر فلا إيراد أصلا والله الموفق وفي الفتاوى الظهيرية لا يجوز صومهما عن الفرض غير أن الصبي يكون صائما عن التطوع بخلاف الكافر لفقد الأهلية في حقه وعن صبي بلغ قبل الزوال ونصراني أسلم ونويا الصوم قبل الزوال أن الصبي يجوز صومه عن الفرض وقيل جوابه في الكافر كذلك ، إليه [ ص: 312 ] أشار في المنتقى ثم في ظاهر الرواية فرق بين هذا وبين أبي يوسف جاز عن الفرض ; لأن الجنون إذا لم يستوعب كان بمنزلة المرض والمرض لا ينافي وجوب الصوم بخلاف الصبا والكفر والحيض ; لأنها منافية للصوم ا هـ . المجنون إذا أفاق في نهار رمضان قبل الزوال ولم يكن أكل شيئا ونوى الصوم
[ ص: 311 ]