( قوله ولو أمسك يومه وقضى ولم يكفر كأكله عمدا بعد أكله ناسيا ونائمة ومجنونة وطئتا ) لما قدمنا أن قدم مسافر أو طهرت حائض أو تسحر يظنه ليلا والفجر طالع أو أفطر كذلك والشمس حية ; لأنه وجب قضاء لحق الوقت ; لأنه وقت معظم وإنما وجب القضاء على المسافر والحائض لما تقدم أن أصل الوجوب ثابت عليهما وإنما المتأخر وجوب الأداء بخلاف كل من صار أهلا للزوم ولم يكن كذلك في أول اليوم فإنه يجب عليه الإمساك فإنه وإن وجب عليها الإمساك أيضا لم يجب القضاء لعدم الوجوب في حقهما أول الجزء من اليوم كما بيناه وكذا لو الصبي إذا بلغ والكافر إذا أسلم وجب الإمساك قضاء لحق الوقت بالقدر الممكن أو نفيا للتهمة ووجب القضاء أيضا ; لأنه حق مضمون بالمثل كما في المريض والمسافر ولا كفارة في هاتين أيضا ; لأن الجناية قاصرة وهي جناية عدم التثبيت إلى أن يستيقن لا جناية الإفطار ; لأنه لم يقصد ولهذا صرحوا بعدم الإثم عليه كما قالوا في القتل الخطإ لا إثم فيه والمراد إثم القتل وصرح بأن فيه إثم ترك العزيمة والمبالغة في التثبيت حالة الرمي كذا في فتح القدير أراد بالظن في قوله ظنه ليلا التردد في بقاء الليل وعدمه سواء ترجح عنده شيء أو لا فيدخل الشك فإن الحكم فيه لو ظهر طلوع الفجر عدم وجوب الكفارة كما لو ظن والأفضل له أن يتسحر مع الشك وأراد بقوله والفجر طالع تيقن الطلوع لما في الفتاوى الظهيرية ولو شك في ليلة مقمرة أو متغيمة في طلوع الفجر يدع الأكل والشرب لقوله عليه الصلاة والسلام { تسحر وهو يظن بقاء الليل فبان خلافه أو أفطر ظانا زوال اليوم فبان خلافه } ولو غلب على ظنه أنه أكل بعد طلوع الفجر لا قضاء عليه ما لم يخبره رجل عدل في أشهر الروايات دع ما يريبك إلى ما لا يريبك
وذكر البقالي في كتاب الصلاة إذا غلب على ظنه أنه أحدث فلا وضوء عليه . ا هـ .
وقيد بقوله والفجر طالع ; لأنه لو ظن أو شك فتسحر ثم لم يتبين له شيء لم يفسد [ ص: 314 ] صومه ; لأن الأصل بقاء الليل فلا يخرج بالشك وقوله ليلا ليس بقيد ; لأنه لو ظن الطلوع وأكل مع ذلك ثم تبين صحة ظنه فعليه القضاء ولا كفارة ; لأنه بنى الأمر على الأصل فلم تكمل الجناية فلو قال ظنه ليلا أو نهارا لكان أولى وليس له أن يأكل ; لأن غلبة الظن تعمل عمل اليقين وإن أكل ولم يتبين له شيء قيل يقضيه احتياطا وصححه في غاية البيان ناقلا عن التحفة وعلى ظاهر الرواية قيل لا قضاء عليه وصححه في الإيضاح ; لأن اليقين لا يزال إلا بمثله والليل أصل ثابت بيقين وللمحقق في فتح القدير بحث فيه حسن حاصله أن المتيقن به دخول الليل في الوجود وأما الحكم ببقائه فهو ظني ; لأن القول بالاستصحاب والأمارة التي بحيث توجب عدم ظن بقاء الليل دليل ظني فتعارض دليلان ظنيان في قيام الليل وعدمه فيتهاتران فيعمل بالأصل وهو الليل وتمامه فيه وأراد بالظن في قوله أو أفطر كذلك غلبة الظن ; لأنه لو كان شاكا تجب الكفارة كذا في المستصفى ونقل في شرح فيه اختلافا بين المشايخ وإن لم يتبين له شيء فعليه القضاء الطحاوي
وفي التبيين في وجوب الكفارة روايتان وإن تبين أنه أكل قبل الغروب وجبت الكفارة وقيد بكونه ظن وجود المبيح ; لأنه لو ظن قيام المحرم كأن ظن أن الشمس لم تغرب فأكل فعليه القضاء والكفارة إذا لم يتبين له شيء أو تبين أنه أكل قبل الغروب وإن تبين أنه أكل بالليل فلا شيء عليه في جميع ما ذكرنا كذا في التبيين وفي البدائع ما يخالفه ولفظه وإن كان غالب رأيه أنها لم تغرب فلا شك في وجوب القضاء عليه واختلف المشايخ في وجوب الكفارة فقال بعضهم تجب وقال بعضهم لا تجب وهو الصحيح ; لأن احتمال الغروب قائم فكانت الشبهة ثابتة وهذه الكفارة لا تجب مع الشبهة فحاصله أنه إما أن يظن أو يشك فإن ظن فلا يخلو إما أن يظن وجود المبيح أو قيام المحرم فإن كان الأول فلا يخلو إما أن لا يتبين له شيء أو يتبين صحة ما ظنه أو بطلانه وكل من الثلاثة إما أن يكون في ابتداء الصوم أو انتهائه فهي ستة وإن شك أيضا فهي اثنا عشر في وجود المبيح ومثلها في قيام المحرم فهي أربعة وعشرون وقد علم أحكامها من المتن منطوقا ومفهوما فليتأمل
وأشار إلى أن واختار الأول في الظهيرية والثاني في البدائع مقتصرا كل منهما عليه ودليله حديث الجماعة إلا التسحر ثابت واختلف فيه فقيل مستحب وقيل سنة أبا داود { } والسحور ما يؤكل في السحر وهو السدس الأخير من الليل وقوله في السحور هو على حذف مضاف [ ص: 315 ] تقديره في أكل السحور بركة بناء على ضبطه بضم السين جمع سحر فأما على فتحها وهو الأعرف في الرواية فهو اسم للمأكول في السحر كالوضوء بالفتح ما يتوضأ به ، وقيل : يتعين الضم ; لأن البركة ونيل الثواب إنما يحصل بالفعل لا بنفس المأكول كذا في فتح القدير ومحل الاستحباب ما إذا يتيقن بقاء الليل أو غلب على ظنه أما إذا شك فالأفضل أن لا يتسحر تحرزا عن المحرم ولم يجب عليه ذلك ولو أكل فصومه تام ; لأن الأصل هو الليل كذا في الهداية وفي الفتاوى الظهيرية وإذا تسحر ثم ظهر أن الفجر طالع أثم وقضى . ا هـ . تسحروا فإن في السحور بركة
وهو بإطلاقه يتناول ما إذا غلب على ظنه بقاؤه فتسحر ثم تبين خلافه فإنه يأثم ، وفي البدائع وهل يكره الأكل مع الشك روى هشام عن أنه يكره وروى أبي يوسف عن ابن سماعة أنه لا يكره والصحيح قول محمد وعن أبي يوسف الهندواني أنه إذا ظهر علامات الطلوع من ضرب الدبادب والأذان يكره وإلا فلا ولا تعويل على ذلك ; لأنه مما يتقدم ويتأخر . ا هـ .
التأخير ; لأن معنى الاستعانة فيه أبلغ وكذا تعجيل الفطر كذا في البدائع والتعجيل المستحب التعجيل قبل اشتباك النجوم ذكره والسنة في السحور قاضي خان في شرح الجامع الصغير ولم أر صريحا في كلامهم أن الماء وحده يكون محصلا لسنة السحور وظاهر الحديث يفيده وهو ما رواه عن أحمد مسندا { أبي سعيد } والبركة في الحديث لغة الزيادة والنماء والزيادة فيه على وجوه : زيادة في القوة على أداء الصوم وزيادة في إباحة الأكل والشرب وزيادة على الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء كذا ذكره السحور كله بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين الكلاباذي وبينها في غاية البيان وفي البزازية ويستحب تعجيل الإفطار إلا في يوم غيم ولا يفطر ما لم يغلب على ظنه غروب الشمس وإن أذن المؤذن . ا هـ .
وذكر قبله قضى ولا كفارة عليه بالاتفاق شهدا أنها غربت وآخران بأنها لم تغرب وأفطر ثم بان عدم الغروب قضى وكفر وفاقا ; لأن البينات للإثبات لا للنفي حتى قيل شهادة المثبت لا النافي ولو واحد على طلوعه وآخران على عدمه لا كفارة عليه شهدا على طلوع الفجر وآخران على عدم الطلوع فأكل ثم بان الطلوع قال دخلوا عليه وهو يتسحر فقالوا : إنه طالع فصدقهم فقال إذن أنا مفطر لا صائم ثم دام على الأكل ثم بان أنه ما كان طالعا في أول الأكل وطالعا وقت الأكل الثاني النسفي الحاكم لا كفارة عليه لعدم نية الصوم وإن كان المخبر واحدا عليه الكفارة ; لأن خبر الواحد عدلا أو لا في مثل هذا لا يقبل . ا هـ .
وإنما لم تجب الكفارة بإفطاره عمدا بعد أكله أو شربه أو جماعه ناسيا ; لأنه ظن في موضع الاشتباه بالنظير وهو الأكل عمدا ; لأن الأكل مضاد للصوم ساهيا أو عامدا فأورث شبهة وكذا فيه شبهة اختلاف العلماء فإن يقول بفساد صوم من أكل ناسيا وأطلقه ; لأن العلماء اختلفوا في قبول الحديث فإن فقهاء مالكا المدينة وغيره لم يقبلوه فصار شبهة ; لأن قول كمالك إذا كان موافقا للقياس يكون شبهة كقول الصحابي وكذا لو الشافعي لا كفارة عليه لوجود شبهة الاشتباه بالنظير فإن القيء والاستقاء متشابهان ; لأن مخرجهما من الفم وكذا لو احتلم للتشابه في قضاء الشهوة وإن علم أن ذلك لا يفطره فعليه الكفارة ; لأنه لم توجد شبهة الاشتباه ولا شبهة الاختلاف وقيد بالنسيان ; لأنه لو ذرعه القيء فظن أنه يفطره فأفطر إن لم يستفت فقيها ولا بلغه الخبر فعليه الكفارة ; لأنه مجرد جهل وأنه ليس بعذر في دار الإسلام وإن استفتى فقيها لا كفارة عليه ; لأن العامي يجب عليه تقليد العالم إذا كان يعتمد على فتواه فكان معذورا فيما صنع وإن كان المفتي مخطئا فيما أفتى وإن لم يستفت ولكن بلغه الخبر وهو قوله عليه الصلاة والسلام . احتجم أو اغتاب فظن أنه يفطره ثم أكل
[ ص: 316 ] { } وقوله صلى الله عليه وسلم { أفطر الحاجم والمحجوم } ولم يعرف النسخ ولا تأويله فلا كفارة عليه عندهما ; لأن ظاهر الحديث واجب العمل به خلافا الغيبة تفطر الصائم ; لأنه ليس للعامي العمل بالحديث لعدم علمه بالناسخ والمنسوخ ولو لأبي يوسف فعليه الكفارة إلا إذا استفتى فقيها فأفتاه بالفطر أو بلغه خبر فيه ولو نوى الصوم قبل الزوال ثم أفطر لم تلزمه الكفارة عند لمس امرأة أو قبلها بشهوة أو اكتحل فظن أن ذلك يفطره ثم أفطر خلافا لهما كذا في المحيط وقد علم من هذا أن أبي حنيفة ولهذا قال في فتح القدير الحكم في حق العامي فتوى مفتيه وفي البدائع ولو مذهب العامي فتوى مفتيه من غير تقييد بمذهب فعليه الكفارة وإن استفتى فقيها أو تأول حديثا ; لأن هذا مما لا يشتبه وكذا لو اغتاب . ا هـ . دهن شاربه فظن أنه أفطر فأكل عمدا
وفي التبيين أن عليه عامة المشايخ وهو في الغيبة مخالف لما في المحيط والظاهر ترجيح ما في المحيط للشبهة وفي النهاية ويشترط أن يكون المفتي ممن يؤخذ منه الفقه ويعتمد على فتواه في البلدة وحينئذ تصير فتواه شبهة ولا معتبر بغيره وأما فلا كفارة عليهما ; لأن الفساد حصل بالجماع قبل الأكل كالمخطئ ولا كفارة لعدم الجناية فالأكل بعده ليس بإفساد وصورتها في النائمة ظاهر وفي المجنونة بأن النائمة أو المجنونة إذا أكلتا بعدما جومعتا فإن الجنون لا ينافي الصوم إنما ينافي شرطه أعني النية وقد وجب في حال الإفاقة فلا يجب قضاء ذلك اليوم إذا أفاقت فإذا جومعت قضته لطرو المفسد على صوم صحيح وبهذا اندفع ما قيل إنها كانت في الأصل المجبورة أي المكرهة فصحفها الكاتب إلى المجنونة لإمكان توجيهها كما ذكرناه والله سبحانه وتعالى أعلم . نوت الصوم ثم جنت بالنهار وهي صائمة فجامعها إنسان