( قوله : والفور في اللغة من فور القدر غليانها وفعل ذلك من فوره أي من وجهه ذلك وهو من فور القدر قبل أن تسكن قال الله تعالى { فرض مرة على الفور ) أي فرض الحج في العمر مرة واحدة في أول سني الإمكان من فورهم هذا } ولم يذكر المصنف فرضيته قصدا ; لأنها من المسائل الاعتقادية فليست من مسائل الفقه ; لأن مسائله ظنية وإنما ذكره توطئة لما بعده ودليله القرآني { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } والسنة كثيرة وأما كونه لا يتعدد فلأن سببه وهو البيت كذلك وأما تكرر وجوب الزكاة مع اتحاد المال فلأن سببه هو النامي تقديرا وتقدير النماء دائر مع حولان الحول إذا كان المال معدا للاستنماء في الزمان المستقبل وتقدير النماء الثابت في هذا الحول غير تقدير النماء في حول آخر فالمال مع هذا النماء غير المجموع منه ومن النماء الآخر فيتعدد حكما كتعدد الوجوب بتعدد النصاب ولرواية مرفوعا { أحمد } الحج مرة فمن زاد فهو تطوع
وأما كونه على الفور فهو قول وأصح الروايتين عن أبي يوسف وعند أبي حنيفة محمد والتعجيل أفضل كذا في الخلاصة وتحقيقه أن الأمر إنما هو طلب المأمور به ولا دلالة له على الفور ولا على التراخي فأخذ به يجب على التراخي وقواه بأنه عليه السلام حج سنة عشر وفرضية الحج كانت سنة تسع فبعث محمد أبا بكر حج بالناس فيها ولم يحج هو إلى القابلة وأما أبو حنيفة فقالا الاحتياط في تعيين أول سني الإمكان ; لأن الحج له وقت معين في السنة والموت في سنة غير نادر فتأخيره بعد التمكن في وقته تعريض له على الفوات فلا يجوز وبهذا حصل الجواب عن تأخيره عليه الصلاة والسلام إذ لا يتحقق في حقه تعريض الفوات وهو الموجب للفور ; لأنه كان يعلم أنه يعيش حتى يحج ويعلم الناس مناسكهم تكميلا للتبليغ وبهذا التقرير علم أن الفورية ظنية ; لأن دليل الاحتياط ظني ومقتضاه الوجوب فإذا أخره وأداه بعد ذلك وقع أداء ويأثم بالتأخير لترك الواجب وثمرة الاختلاف تظهر فيما إذا أخره فعلى الصحيح يأثم ويصير فاسقا مردود الشهادة وعلى قول وأبو يوسف لا وينبغي أن لا يصير فاسقا من أول سنة على المذهب الصحيح بل لا بد أن يتوالى عليه سنون ; لأن التأخير في هذه الحالة صغيرة ; لأنه مكروه تحريما ولا يصير فاسقا بارتكابها مرة بل لا بد من الإصرار عليها وإذا حج في آخر عمره ارتفع الإثم اتفاقا قال الشارح محمد
ولو مات ولم يحج أثم بالإجماع ولا يخفى ما فيه فإن المشايخ اختلفوا على قول فقيل يأثم مطلقا وقيل لا يأثم [ ص: 334 ] مطلقا وقيل إن خاف الفوات بأن ظهرت له مخائل الموت في قلبه فأخره حتى مات أثم وإن فجأه الموت لا يأثم وينبغي اعتماد القول الأول وتضعيف القول الثاني ; لأنه حينئذ يفوت القول بفرضية الحج ; لأن فائدتها الإثم عند عدم الفعل سواء كان مضيقا ، أو موسعا اللهم إلا أن يقال فائدتها على هذا القول وجوب الإيصاء عليه قبيل موته فإذا لم يوص يأثم لترك هذا الواجب لا لترك الحج وعلم من قوله فرض مرة أن ما زاد عليها فهو تطوع ويشهد له الحديث السابق وعند الشافعية أن الحج لا يوصف بالنفلية بل المرة الأولى فرض عين وما زاد ففرض كفاية ; لأن من فروض الكفاية أن يحج البيت كل عام ولم أره لأئمتنا بل صرحوا بالنفلية فقالوا حج النفل أفضل من الصدقة ولا يخفى أنه إذا نذر الحج فإنه يصير فرضا أيضا ومن فروعه ما في الخلاصة محمد لزمته كلها ، ولو رجل قال لله علي مائة حجة لا حج عليه ، ولو قال أنا أحج يلزمه عند الشرط قال إذا دخلت الدار فأنا أحج
ولو لزمته حجة وإن لم يقل علي حجة لله ; لأن الحجة لا تكون إلا لله ، ولو برأ وحج جاز عن حجة الإسلام ، ولو نوى غير حجة الإسلام صحت نيته . ا هـ . قال المريض إن عافاني الله تعالى من مرضي هذا فعلي حجة فبرئ
وظاهره أنه ينصرف إلى حجة الإسلام من غير نيته وينبغي أن ينصرف إلى غير حجة الإسلام بغير نية إلا أن ينويها وقد صرح به الشارح الزيلعي في كتاب الأضحية لكن علل المحقق ابن الهمام لما في الخلاصة بأن الغالب أن يريد به المريض الذي فرط في الفرض حتى مرض وقد قدمنا أن الحج يتصف بالحرمة إذا كان المال حراما ويمكن أن يقال إنه يكون واجبا وهو ما إذا فإنهم قالوا يجب عليه أحد النسكين إما الحج ، أو العمرة فإذا اختار الحج فإنه يتصف بالوجوب وقد قدمنا أنه يتصف بالكراهة وهو حجه بغير إذن أبويه بشرطه ، أو بغير إذن صاحب الدين فتحرر من هذا أنه يكون فرضا وواجبا ونفلا وحراما ومكروها والظاهر أنه لا يتصف بالإباحة ; لأنه عبادة وضعا . جاوز الميقات بغير إحرام