( قوله : لا ببعرتي إبل وغنم ) أي ، وهذا استحسان والقياس أن يتنجس الماء مطلقا لوقوع النجاسة في الماء القليل كالإناء وذكر للاستحسان طريقتان الأولى واختارها صاحب الهداية مقتصرا عليها أن آبار الفلوات ليس لها رءوس حاجزة والمواشي تبعر حولها ويلقيها الريح فيها فجعل القليل عفوا للضرورة ولا ضرورة في الكثير ولا فرق على هذا بين الرطب واليابس ، والصحيح والمنكسر ، والروث والبعر والخثى ; لأن الضرورة تشمل الكل وقد صرح في غاية البيان بأنه ظاهر الرواية ويعارض ما ذكره لا ينزح ماء البئر بوقوع بعرتي إبل وغنم فيها السرخسي أو الروث والمفتت من البعر مفسد في ظاهر الرواية وعن أن قليله عفو قال : وهو الأوجه وظاهر هذه الطريقة أن هذا الحكم مختص بآبار الفلوات ، وأما الآبار التي في المصر فتنجس بالقليل منه ; لأن لها رءوسا حاجزة فيقع الأمن عن الوقوع فيها ، وقد صرح به في البدائع تكن في غاية البيان ذكر أنه لا فرق بينهما على هذه الطريقة فقال واختلف المشايخ في أبي يوسف والصحيح عدم الفرق لشمول الضرورة في الجملة ا هـ . البئر إذا كانت في المصر
فاعتبر الضرورة في الجملة وكذا في التبيين والطريقة الثانية أن لليابس صلابة فلا يختلط شيء من أجزائه بأجزاء الماء فهذه تقتضي أن الرطب والمنكسر والروث والخثى ينجس الماء وظاهرها عدم الفرق بين آبار الفلوات والأمصار كما هو مذكور في البدائع ، وكذا ظاهرها أن الكثير من اليابس الصحيح لا ينجس كالقليل وبه قال لكن الصحيح أن الكثير ينجس الإناء وماء البئر على الطريقتين أما على الأولى فلما بينا أنه لا ضرورة في الكثير الحسن بن زياد
وأما على الثانية ; فلأنها إذا كثرت تقع المماسة بينها فيصطك البعض بالبعض فتتفتت أجزاؤها فتتنجس إليه أشار في البدائع وظاهرها أيضا أنه لا فرق بين البئر والإناء في عدم التنجس بالقليل وعلى الطريقة الأولى بينهما فرق لأن الضرورة في البئر لا في الإناء كذا في الكافي بخلاف ، فإنه ترمى البعرة ويشرب اللبن على الطريقتين أما على الثانية فظاهر ، وأما على الأولى فلمكان الضرورة كذا في الهداية وقيده في النهاية وغاية البيان والمعراج بكونها رميت على الفور ولم يبق لونها على اللبن وكذا في فتح القدير معللا له بأن الضرورة تتحقق في نفس الوقوع ; لأنها تبعر عند الحلب عادة لا فيما وراءه وذلك بمرأى [ ص: 119 ] منه واختلفوا في حد الكثير على أقوال صحح منها قولان في النهاية أنه ما لا يخلو دلو عن بعرة وعزاه إلى المبسوط وصحح في البدائع والكافي للمصنف وكثير من الكتب أن الكثير ما يستكثره الناظر والقليل ما يستقله وفي معراج الدراية هو المختار وفي الهداية وعليه الاعتماد قال في العناية ، وإنما قال وعليه الاعتماد ; لأن بعر الشاة إذا وقع منها في الحلب وقت الحلب لا يقدر شيئا بالرأي في مثل هذه المسائل التي تحتاج إلى التقدير فكان هذا موافقا لمذهبه ا هـ . أبا حنيفة
فظهر بهذا أن ما ذكره في المتن من أن البعرتين لا ينجسان للإشارة إلى أن الثلاث تنجس إنما هو على قول ضعيف مبني على ما وقع في الجامع الصغير من قوله ، فإن وقعت فيها بعرة أو بعرتان لم يفسد الماء فدل على أن الثلاث تفسد بناء على أن مفهوم العدد في الرواية معتبر ، وإن لم يكن معتبرا في الدلائل عندنا على الصحيح
وهذا الفهم إنما يتم لو اقتصر في الجامع الصغير على هذه العبارة و لكنه لم يقتصر عليها ، فإنه قال إذا محمد لا يفسد ما لم يكن كثيرا فاحشا والثلاث ليس بكثير فاحش كذا نقل عبارة الجامع في المحيط وغيره ، ولو جعل قائل الحد الفاصل بين القليل والكثير أن ما غير أحد أوصاف الماء كان كثيرا وما لم يغيره يكون قليلا لكان له وجه كذا في شرح منية المصلي وبعد يبعر من حد منع والروث للفرس والحمار من راث يقال من حد نصر والخثى بكسر الخاء واحد الأخثاء للبقر يقال من باب ضرب كذا في فتح القدير وغيره . وقعت بعرة أو بعرتان في البئر
[ ص: 119 ]