الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ثم اهبط نحو المروة ساعيا بين الميلين الأخضرين وافعل عليها فعلك على الصفا ) أي على المروة من الصعود والتكبير والتهليل والصلاة والدعاء ، والكل سنة حتى لو ترك الهرولة بين الميلين لا شيء عليه ، وهما شيئان على شكل الميلين منحوتان من نفس جدار المسجد الحرام إلا أنهما منفصلان عنه وهما علامتان لموضع الهرولة في ممر بطن الوادي بين الصفا والمروة كذا في المغرب .

                                                                                        ( قوله وطف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتختم بالمروة ) كما صح في حديث جابر الطويل ، وقوله تبدأ بالصفا بيان للواجب حتى لو بدأ بالمروة لا يعتد [ ص: 359 ] بالأول هو الصحيح لمخالفة الأمر وهو قوله عليه السلام { ابدءوا بما بدأ الله به } وإشارة إلى أن الذهاب إلى المروة شوط والعود منها إلى الصفا شوط آخر ، وهو الصحيح لما صح في حديث جابر أنه قال { فلما كان آخر طوافه على المروة } ولو كان من الصفا إلى الصفا شوطا لكان آخر طوافه الصفا ، ونقل الشارح عن الطحاوي أن الذهاب من الصفا إلى المروة والرجوع منها إلى الصفا شوط قياسا على الطواف فإنه من الحجر إلى الحجر شوط وفي الفتاوى الظهيرية ما يخالفه فإنه قال لا خلاف بين أصحابنا أن الذهاب من الصفا إلى المروة شوط محسوب من الأشواط السبعة فأما الرجوع من المروة إلى الصفا هل هو شوط آخر . قال الطحاوي لا يعتبر الرجوع من المروة إلى الصفا شوطا آخر ، والصحيح أنه شوط آخر ا هـ .

                                                                                        وفرق المحقق ابن الهمام بين الطوافين بالفرق لغة بين طاف كذا وكذا سبعا الصادق بالتردد من كل من الغايتين إلى الأخرى سبعا وبين طاف بكذا فإن حقيقته متوقفة على أن يشمل بالطواف ذلك الشيء فإذا قال طاف به سبعا كان بتكرير تعميمه بالطواف سبعا فمن هنا افترق الحال بين الطواف بالبيت حيث لزم في شوطه كونه من المبدإ إلى المبدإ ، والطواف بين الصفا والمروة حيث لم يستلزم ذلك ا هـ .

                                                                                        ولم يذكر صلاة ركعتين بعد السعي ختما له وهي مستحبة لفعله عليه السلام لذلك لما رواه أحمد .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قول المصنف ساعيا بين الميلين الأخضرين ) يستحب أن يكون السعي فوق الرمل دون العدو أي الجري الشديد وهو سنة في كل شوط بخلاف الرمل في الطواف خلافا لمن خصه أيضا بالثلاثة الأول ولا اضطباع في السعي مطلقا عندنا ، ولو ترك السعي بين الميلين أو هرول في جميع السعي فقد أساء ولا شيء عليه ويلبي في السعي الحاج أي إن وقع سعيه بعد طواف القدوم لا المعتمر ولو كان متمتعا ; لأن تلبيته تنقطع بالشروع في طوافه ولا الحاج إذا سعى بعد طواف الإفاضة لانقطاع تلبيته بأول رمي جمرة وإن عجز عن السعي بين الميلين صبر حتى يجد فرجة وإلا تشبه بالساعي في حركته ، وإن كان على دابة لعذر حركها من غير أن يؤذي أحدا لباب وشرحه .

                                                                                        ( قوله بدأ بالمروة لا يعتد بالأول ) هذا يفيد أن البداءة بالمروة شرط لا أنه واجب وهو أحد أقوال ثلاثة فإنه قيل إنه شرط ، وقيل واجب وقيل سنة ومشى في اللباب على الأول ، وقال شارحه الأعدل المختار من حيث الدليل الوجوب فيصح أداؤه لكن يعاقب عليه دون عقاب ترك الفرض وعلى الأول لا يصح وتمام تحقيقه هناك ( تنبيه )

                                                                                        عد في اللباب تبعا للبدائع من شرائط السعي كونه بعد طواف كائن على طهارة من الجنابة والحيض فإن لم يكن طاهرا عنهما وقت الطواف ، لم يجز سعيه رأسا واستشكله شارحه بأن الطهارة ليست من شرائط صحة الطواف فكيف تكون شرطا فيه بل الشرط وقوعه عقيب طواف صحيح لا بعد طواف كامل مشتمل على أداء واجباته وتمامه فيه فراجعه [ ص: 359 ] ( قوله وفرق المحقق إلخ ) وفي العناية فإن قيل ما الفرق بين الطواف والسعي حتى كان مبدأ الطواف هو المنتهى دون السعي أجيب بأن الطواف دوران لا يتأتى إلا بحركة دورية فيكون المبدأ والمنتهى واحدا بالضرورة ، وأما السعي فهو قطع مسافة بحركة مستقيمة ، وذلك لا يقتضي عوده على بدئه .

                                                                                        ( قوله ولما رواه أحمد ) قال في الفتح روى المطلب بن أبي وداعة قال { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغ من سعيه جاء حتى إذا حاذى الركن فصلى ركعتين في حاشية المطاف وليس بينه وبين الطائفين أحد } رواه أحمد وابن ماجه وابن حبان وقال في روايته { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حذو الركن الأسود والرجال والنساء يمرون بين يديه ما بينهم وبينه سترة } وعنه { أنه رآه عليه السلام يصلي مما يلي باب بني سهم والناس يمرون } إلخ ، وباب بني سهم هو الذي يقال له اليوم باب العمرة لكن على هذا لا يكون حذو الركن الأسود . والله أعلم بحقيقة الحال . ا هـ .

                                                                                        ونازعه القاري في شرح اللباب بأنه لا دلالة في الحديث أن هذه الصلاة من مستحبات السعي لاحتمال أن تكون لتحية المسجد حين أراد أن يقعد من غير قصد له إلى طواف ، وقال الشيخ حنيف الدين المرشدي في شرحه عليه بعد قول السروجي في منسكه ليس للسعي صلاة أقول : وهو الظاهر الذي يميل إليه الخاطر وما تقدم من صلاته عليه الصلاة والسلام فمحمول على تحية المسجد لا أنها للسعي ، وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام ما أحب حال دخوله إليه أن يخليه من التحية فحياه بها وحيث كان دخوله عقيب السعي ، وفعل ذلك اشتبه الحال على من رآه ا هـ .

                                                                                        كذا في حاشية المدني أقول : لكن ذكر القاري في شرحه أن تحية هذا المسجد الشريف بخصوصه هو الطواف إلا إذا كان له مانع فحينئذ يصلي تحية المسجد إن لم يكن وقت كراهية الصلاة ا هـ .

                                                                                        والمتبادر من فعله عليه السلام ما فهمه الراوي من أن صلاته للسعي فما الداعي إلى العدول عنه مع ما علمته تأمل .

                                                                                        ( مهمة ) ذكر الشيخ عبد الرحمن المرشدي في شرحه على الكنز أن مسافة ما بين الصفا والمروة سبعمائة وخمسون ذراعا فعليه فعدة السعي خمسة آلاف ومائتان وخمسون ذراعا ا هـ .

                                                                                        وفي الشمني سبعمائة وستة وستون ذراعا ، وأما عرض المسعى فحكى العلامة الشيخ قطب الدين الحنفي في تاريخه نقلا عن تاريخ الفاكهي أنه خمسة وثلاثون ذراعا ، ثم قال وهاهنا إشكال عظيم ما رأيت أحدا تعرض له وهو أن السعي بين الصفا والمروة من الأمور التعبدية في ذلك المكان المخصوص وعلى ما ذكر الثقات أدخل ذلك المسعى في الحرم الشريف وحول ذلك المسعى إلى دار ابن عباد كما تقدم ، والمكان الذي يسعى فيه الآن لا يتحقق أنه من عرض المسعى الذي سعى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره فكيف يصح السعي فيه وقد حول عن محله ولعل الجواب أن المسعى كان عريضا وبنيت تلك الدور بعد ذلك في عرض المسعى القديم فهدمها المهدي ، وأدخل بعضها في المسجد الحرام وترك البعض ، ولم يحول تحويلا كليا وإلا لأنكره علماء الدين من الأئمة المجتهدين ا هـ . ملخصا . من المدني .




                                                                                        الخدمات العلمية