( قوله : وبول ما يؤكل نجس ) إنما ذكرها هنا ، وإن كان محلها باب الأنجاس لبيان أنه إذا نجس ماءها ، وهذا عند وقع في البئر أبي حنيفة وقال وأبي يوسف رحمه الله طاهر فلا ينزح الماء من وقوعه إلا إذا غلب على الماء فيخرج من أن يكون طهورا لما رواه الأئمة الستة في كتبهم من حديث محمد { أنس عرينة اجتووا المدينة فرخص لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتوا إبل الصدقة ويشربوا من ألبانها وأبوالها فقتلوا الراعي واستاقوا الذود فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وتركهم بالحرة يعضون الحجارة } وفي رواية أن ناسا من { مسلم } وفي رواية متفق عليها أنهم ثمانية كذا في فتح القدير وتركهم في الحرة يستسقون فلا يسقون حتى ماتوا وعرنة واد بحذاء عرفات وبتصغيرها سميت عرينة ، وهي قبيلة ينسب إليها العرنيون ، وإنما سقطت ياء التصغير عند النسبة لما أن ياء فعيلة وفعيلة يسقطان عند النسبة قياسا مطردا فيقال حنفي ومدني وجهني وعقلي في حنيفة ومدينة وجهينة وعقيلة كذا في المغرب وغيره
وقوله اجتووها هو بالجيم والمثناة فوق ومعناه استوخموها كما فسرها في الرواية الأخرى أي لم توافقهم وكرهوها لسقم أصابهم قالوا ، وهو مشتق من الجوى ، وهو داء في الجوف ومعنى سمر أعينهم بالراء كحلها بمسامير وفي بعض الروايات سمل باللام بمعنى فقأها وأذهب ما فيها كذا ذكر النووي في شرح من القصاص ولهما قوله صلى الله عليه وسلم { مسلم } أخرجه استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه من حديث الحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين ولا أعرف له علة كذا ذكره أبي هريرة الزيلعي المخرج وفي معراج الدراية وفي بعض نسخ الأحاديث عن مكان من وفي المغرب ، وأما قولهم استنزهوا البول لحن وفي معراج الدراية وجه مناسبة عذاب القبر مع ترك استنزاه البول هو أن القبر أول منزلة من منازل الآخرة والاستنزاه أول منزل من منازل الطهارة والصلاة أول ما يحاسب به المرء يوم القيامة فكانت الطهارة أول ما يعذب بتركها في أول منزل من منازل الآخرة وفي غاية البيان وجه التمسك به أن البول يشمل كل بول بعمومه وقد ألحق النبي صلى الله عليه وسلم وعيد عذاب القبر بترك استنزاه البول من غير فصل فدل على أن نجس ; لأن الحلال لا يتحقق بمباشرته وعيد ا هـ . بول ما يؤكل لحمه
وأجاب في الهداية عن حديث العرنيين بأنه عليه السلام عرف شفاءهم فيه وحيا وزاد شارحوها كالأتقاني والكاكي جوابا آخر بأن ذلك كان في ابتداء الإسلام ثم نسخ بعد أن نزلت الحدود ألا ترى { } وليس جزاء المرتد إلا القتل فعلم أن إباحة البول انتسخت كالمثلة ا هـ . أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم حين ارتدوا واستاقوا الإبل
وذكر الأصوليون منا أن العام قبل الخصوص يوجب الحكم فيما تناوله قطعا كالخاص حتى يجوز نسخ الخاص بالعام عندنا كحديث العرنيين ورد في ، وهو خاص نسخ بقوله صلى الله عليه وسلم { أبوال الإبل } ; لأن البول عام ; لأن اللام فيه للجنس في ضمن المشخصات فيحمل على جميعها إذ لا عهد وحديث استنزهوا من البول العرنيين متقدم ; لأن المثلة التي تضمنتها منسوخة بالاتفاق ; لأنها كانت في ابتداء الإسلام . ا هـ .
وهذا كله مبني على أن قصة العرنيين تضمنت مثلة وقد صرح به في الهداية من كتاب الجهاد فقال والمثلة المروية في قصة العرنيين منسوخة بالنهي المتأخر وأراد بالنهي المتأخر ما ذكره عن البيهقي قال { أنس } وقد أنكر بعضهم كون الواقع في قصتهم كما روى ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك خطبة إلا نهى فيها عن المثلة ابن سعد في [ ص: 121 ] خبرهم أنهم قطعوا يد الراعي ورجله وغرزوا الشوك في لسانه وعينه حتى مات فليس هذا بمثلة والمثلة ما كان ابتداء على غير جزاء وقد جاء في صحيح إنما سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعينهم ; لأنهم سملوا أعين الرعاء وسيأتي بقيته في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى مسلم
وأما ما أجاب به قاضي خان في شرح الجامع الصغير وتبعه عليه صاحب معراج الدراية من أن الصحيح أنه أمرهم بشرب الألبان يعني دون الأبوال فلا يخفى ضعفه لما علمت أن رواية شرب الأبوال ثابتة في الكتب الستة والله الموفق للصواب .
[ ص: 120 ]