( قوله منى فارم الجمار الثلاث في ثاني النحر بعد الزوال بادئا بما يلي المسجد ثم بما يليها ثم بجمرة العقبة وقف عند كل رمي بعده رمي ثم غدا كذلك ثم بعده كذلك إن مكثت ) أي ثم رح إلى ثم إلى منى فارم الجمار اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر البيتوتة بمنى ; لأنها ليست بواجبة ; لأن المقصود الرمي لكن هي سنة حتى قال الإسبيجابي ولا يبيت بمكة ولا بالطريق ، ويكره أن يبيت في غير أيام منى .
وأشار بقوله بعد الزوال إلى أول وقته في ثاني النحر وثالثه حتى لو لا يجوز ، ولم يذكر آخره وهو ممتد إلى طلوع الشمس من الغد فلو رمى ليلا صح وكره كذا في المحيط فظهر أن له وقتين وقتا لصحة ووقتا لكراهة بخلاف الرمي في اليوم الأول فإن له أربعة أوقات كما بيناه وما في الفتاوى الظهيرية من أن اليوم الثاني من أيام التشريق كاليوم الأول رمى قبل الزوال
ولو أراد أن ينفر في هذا اليوم له أن يرمي قبل الزوال ، وإنما لا يجوز قبل الزوال لمن لا يريد النفر فمحمول على غير ظاهر الرواية فإن ظاهر الرواية أنه لا يدخل وقته في اليومين إلا بعد الزوال مطلقا وفي المحيط لو رماها على التأليف ; لأن أيام التشريق كلها وقت رمي فيقضي مرتبا كالمسنون وعليه دم واحد عند أخر رمي الجمار كلها إلى اليوم الرابع ; لأن الجنايات اجتمعت من جنس واحد فيتعلق بها كفارة واحدة ولو تركها حتى غابت [ ص: 375 ] الشمس في آخر أيام التشريق يسقط الرمي لانقضاء وقته وعليه دم واحد اتفاقا ا هـ . أبي حنيفة
فظهر بهذا أن للرمي وقت أداء ووقت قضاء ، وأفاد بقوله بادئا إلى آخره إلى الترتيب بين الجمار الثلاث وهو ثابت من فعله عليه السلام ولم يبين أنه واجب أو سنة وفيه اختلاف ففي الظهيرية فإن غير هذا الترتيب فبدأ في اليوم الثاني بجمرة العقبة فرماها ثم بالوسطى ثم بالتي تلي مسجد الخيف بمنى وهو بعد في يومه أعاد الجمرة الوسطى وجمرة العقبة ليأتي بها مرتبا مسنونا وعلل في المحيط بأن الترتيب مسنون قال وإن لم يعد أجزأه لأن رمي كل جمرة قربة تامة بنفسها وليست بتابعة للبعض فلا يتعلق جوازها بتقديم البعض دون البعض كالطواف قبل الرمي يقع معتدا به وإذا كان مسنونا
فإن رمى كل جمرة بثلاث أتم الأولى بأربع ثم أعاد الوسطى بسبع ثم العقبة بسبع ; لأنه رمى من الأولى أقلها ، والأقل لا يقوم مقام الكل فلا عبرة به فكأنه أتى بهما قبل الأولى أصلا فيعيدهما فإن رمى كل واحدة بأربع أتم كل واحدة بثلاث ; لأنه أتى بالأكثر من الأولى وللأكثر حكم الكل فكأنه رمى الثانية والثالثة بعد الأولى ، وإن استقبل رميها كان أفضل ليكون إتيانه له على الوجه المسنون وعن لو محمد يرميهن عن الأولى ، ويستقبل الجمرتين الباقيتين لاحتمال أنها من الأولى فلم يجز رمي الأخريين ، ولو كن ثلاثا أعاد على كل جمرة واحدة ولو كانت حصاة أو حصاتين أعاد كل واحدة ويجزئه ; لأنه رمى كل واحدة بأكثرها فوقع معتدا به ، ولكن لم يقع مسنونا ا هـ ما في المحيط وهو صريح في الخلاف وفي اختيار السنية رمى الجمار الثلاث فإذا في يده أربع حصيات لا يدري من أيتهن هي
واعتمده المحقق ابن الهمام وقال في المجمع ، ويسقط الترتيب في الرمي وأفاد بقوله إن مكثت أنه مخير في اليوم الثالث بين النفر والإقامة للرمي في اليوم الرابع ، والإقامة أفضل اتباعا لفعله عليه السلام كذلك وأن الإقامة لطلوع الفجر يوم الرابع موجبة للرمي فيه وبإطلاقه أنه لا فرق بين المكي والآفاقي في هذه الأحكام لعموم قوله تعالى { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى } وهو كالمسافر مخير بين الصوم والفطر ، والصوم أفضل وقد قدمنا معنى قوله وقف عند كل رمي بعده رمي في بحث رمي جمرة العقبة فراجعه وينبغي أن يحمد الله تعالى ويثني عليه ويصلي على نبيه صلى الله عليه وسلم ويدعو الله بحاجته ويجعل باطن كفيه إلى السماء في رفع يده ، وأن يستغفر لأبويه وأقاربه ومعارفه للحديث { } وفي فتح القدير ومن كان مريضا لا يستطيع الرمي يوضع في يده ويرمى بها أو يرمي عنه غيره ، وكذا المغمى عليه اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج
ولو [ ص: 376 ] جاز ، ويكره ولا ينبغي أن يترك الجماعة مع الإمام رمى بحصاتين إحداهما لنفسه والأخرى للآخر بمسجد الخيف ويكثر من الصلاة فيه أمام المنارة عند الأحجار ا هـ .
وقد قدمنا أن المرأة لو تركت الوقوف بالمزدلفة لأجل الزحام لا يلزمها شيء فينبغي أنها لو تركت الرمي له لا يلزمها شيء والله سبحانه أعلم .