الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ولو أهل عنه رفيقه بإغمائه جاز ) أي أحرم أطلقه فشمل ما إذا كان أمره بأن يحرم عنه عند عجزه أولا ، والأول متفق عليه وفي الثاني خلاف أبي يوسف ومحمد بناء على أن المرافقة أمر به دلالة عند العجز عند أبي حنيفة ، وعندهما إنما تراد المرافقة لأمر السفر لا غير ، ويتفرع على ثبوت الإذن دلالة مسائل ذكرها في جامع الفصولين منها مسألة الحج ومنها ذبح شاة قصاب شدها للذبح لا ضمان عليه لا لو لم يشدها ، ومنها ذبح أضحية غيره من أيامها بلا إذنه ذكرها في أكثر الكتب مطلقة وقيدت في بعضها بما إذا أضجعها للذبح ومنها وضع القدر على كانون وفيه اللحم ووضع الحطب تحتها فوقد النار رجل وطبخ لا ضمان عليه ، ومنها جعل بره في دورق وربط الحمار فساقه رجل حتى طحنه ، ومنها سقط حمل في الطريق فحمل بلا إذن ربه فتلفت الدابة ومنها رفع جرة نفسه فأعانه آخر على الرفع فانكسرت .

                                                                                        ومنها مزارع زرع الأرض ببذر ربها ولم ينبت حتى سقاها ربها بلا أمره فالخارج بينهما ; لأنه لما هيئت للسقي [ ص: 380 ] والتربية صار مستعينا بكل من قام به دلالة ، وكذا لو سقاها أجنبي والمسألة بحالها ومنها من أحضر فعلة لهدم دار فهدم آخر بلا إذن لا يضمن استحسانا ، والأصل في جنسها أن كل عمل لا يتفاوت فيه الناس تثبت الاستعانة فيه بكل أحد دلالة وكل عمل يتفاوت فيه الناس لا تثبت الاستعانة فيه بكل أحد كما لو ذبح شاة وعلقها للسلخ فسلخها رجل بلا إذنه ضمن ا هـ .

                                                                                        وقد قدمنا أن الإحرام هو النية مع التلبية فإذا نوى الرفيق ولبى صار المغمى عليه محرما لا الرفيق ولذا يجوز للرفيق بعده أن يحرم عن نفسه ، ويصح منه عن المغمى عليه ولو كان محرما لنفسه ولا يلزم النائب التجرد عن المخيط لأجل إحرامه عن المغمى عليه ، ولو أحرم عن نفسه وعن رفيقه وارتكب محظور إحرامه لزمه جزاء واحد بخلاف القارن يلزمه جزاءان ; لأنه محرم بإحرامين .

                                                                                        وشمل ما إذا أحرم عنه بحجة أو عمرة أو بهما من الميقات أو بمكة ، ولم أره صريحا والمراد بالرفيق واحد من أهل القافلة سواء كان مخالطا له أو لا كما قالوا فيما إذا خاف عطش رفيقه في التيمم أنه الواحد من القافلة ، كما صرح به الحدادي في السراج الوهاج فحينئذ ذكر الرفيق في عبارتهم هنا لبيان الواقع ، لكن ذكر في المحيط أنه لو أحرم عنه غير رفيقه على قول أبي حنيفة قيل يجوز وقيل لا يجوز ، ولم يرجح ورجح في فتح القدير الجواز ; لأن هذا من باب الإعانة لا الولاية ودلالة الإعانة قائمة عند كل من علم قصده رفيقا كان أو لا ، وأصله أن الإحرام شرط عندنا اتفاقا كالوضوء وستر العورة ، وإن كان له شبه بالركن فجازت النيابة فيه بعد وجود نية العبادة منه عند خروجه من بلده .

                                                                                        وإنما اختلفوا في هذه المسألة بناء على أن المرافقة تكون أمرا به دلالة عند العجز أو لا ا هـ .

                                                                                        ويرجحه أيضا أن المسائل التي ذكرنا أن الإذن ثابت فيها دلالة لم تختص بواحد معين بل الناس كلهم فيها على السواء .

                                                                                        وأشار إلى أنه لو استمر مغمى عليه إلى وقت أداء الأفعال فأدى عنه رفيقه فإنه يجوز ، وإن لم يشهد به المشاهد ولم يطف به ، وصححه صاحب المبسوط ; لأن هذه العبادة مما تجزئ فيها النيابة عند العجز كما في استنابة الزمن غير أنه إن أفاق قبل الأفعال تبين أن عجزه كان في الإحرام فقط فصحت النيابة فيه ، ثم يجري هو على موجبه ، وإن لم يفق تحقق عجزه عن الكل غير أنه لا يلزم الرفيق بفعل المحظور شيء بخلاف النائب في الحج عن الميت ; لأنه يتوقع إفاقته في كل ساعة فنقلنا الإحرام إليه بخلاف الميت وقيد بكونه أغمي عليه قبل الإحرام إذ لو أغمي عليه بعد الإحرام فلا بد من أن يشهد به الرفيق المناسك عند أصحابنا جميعا على ما ذكره فخر الإسلام ; لأنه هو الفاعل .

                                                                                        وقد سبقت النية منه ، ويشترط نيتهم الطواف إذا حملوه كما يشترط نيته ، وقيدنا بالإغماء ; لأن المريض الذي لا يستطيع الطواف إذا طاف به رفيقه وهو نائم إن كان بأمره جاز ; لأن فعل المأمور كفعل الآمر وإلا فلا كذا في المحيط فظهر أن النائم يشترط صريح الإذن منه بخلاف المغمى عليه ، وأنه يشترط نية الحامل للطواف إن كان المحمول مغمى عليه حتى لو حمله وطاف به طالبا الغريم لم يجزه بخلاف النائم لا تشترط نية الحامل له [ ص: 381 ] للطواف ; لأن نية الإحرام منه كافية كما صرح به في المحيط وفيه بحث فإن الطواف لا بد له من أصل النية ولا يكفي نية الإحرام له كما قدمناه فينبغي أنه لا بد من نية الحامل في المسألتين اللهم إلا أن يقال أن نية الإحرام لا تكفي للطواف عند القدرة عليها .

                                                                                        وأما النائم فلا قدرة له عليها وذكر في المحيط أن استئجار المريض من يحمله ويطوف به صحيح وله الأجرة إذا طاف به ، وأن المريض الذي لا يستطيع الرمي توضع الحصاة في كفه ليرمي به أو يرمي عنه غيره بأمره ، ودل كلامه أن للأب أن يحرم عن ولده الصغير والمجنون ويقضي المناسك كلها بالأولى ، ولو ترك رمي الجمار أو الوقوف بالمزدلفة لا يلزمه شيء كذا في المحيط ، وذكر الإسبيجابي ومن طيف به محمولا أجزأه ذلك الطواف عن الحامل والمحمول جميعا ، وسواء نوى الحامل الطواف عن نفسه وعن المحمول أو لم ينو ، أو كان للحامل طواف العمرة وللمحمول طواف الحج أو للحامل طواف الحج وللمحمول طواف العمرة أو يكون الحامل ليس بمجرد والمحمول عما أوجبه إحرامه وإن طيف به لغير علة طواف العمرة أو الزيارة وجب عليه الإعادة أو الدم ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله ولم أره صريحا ) قال الرملي إطلاقهم يدل عليه ا هـ وفي النهر ظاهر ما في الفتح أي من قوله الآتي قريبا عمن قصده يفيد أنه لا بد من العلم بقصده فإن لم يعلم ينبغي أن لا يجوز له الإحرام بهما بل إما بالعمرة أو الحج فإن ضاق وقت الحج بأن غلب على الظن أن دخول مكة من الميقات ليلة الوقوف مثلا تعين الإحرام بالحج منه وإلا بأن دخلوا في أثناء السنة فبالعمرة ; لأن الإعانة إنما تكون بما ينفع لا بغيره ، وعلى هذا فينبغي أنه لو أحرم بالعمرة والوقت للحج أن لا يصح ، وهذا فقه حسن لم أر من أفصح به ا هـ ويرد عليه وعلى المؤلف ما في الشرنبلالية أن المسافر من بلاد بعيدة ولم يكن حج الفرض كيف يصح أن يحرم عنه بعمرة وليست واجبة عليه ، وقد يمتد الإغماء ولا يحصل إحرام عنه بالحج فيفوت مقصده ظاهرا فليتأمل ا هـ .

                                                                                        ( قوله وقد سبقت النية منه ) وتمام كلامه فهو كمن نوى الصلاة في ابتدائها ثم أدى الأفعال ساهيا لا يدري ما يفعل حيث يجزئه لسبق النية ا هـ .

                                                                                        قال في الفتح ويشكل عليه اشتراط النية لبعض أركان هذه العبادة ، وهو الطواف بخلاف سائر أركان الصلاة ولم يوجد منه هذه النية ا هـ .

                                                                                        قال في النهر وأقول : ما علل به فخر الإسلام مبني على عدم اشتراط النية للطواف أصلا ، وأن نية الإحرام مغنية عنه يفصح عن ذلك ما في البدائع ذكر القدوري في شرح مختصر الكرخي أن الطواف لا يصح من غير نية الطواف عند الطواف .

                                                                                        وأشار القاضي في شرح مختصر الطحاوي إلى أن نية الطواف ليست بشرط أصلا ، وأن نية الحج عند الإحرام كافية ولا يحتاج إلى نية مفردة كما في سائر أفعال الصلاة نعم في حكاية الإجماع مؤاخذة لا تخفى وعلى هذا تفرع ما في المحيط لو طاف بنائم إن كان بأمره جاز لا بغير أمره ، ولا يشترط نية الحامل الطواف ; لأن نية الإحرام كافية وقد غفل عن هذا في البحر فزعم أن ما في المحيط فيه بحث ; لأن ما فيه مبني على عدم اشتراط النية فلا يصح أن يعترض عليه بالقول المقابل . ا هـ .

                                                                                        ، والظاهر أن ما سيأتي عن [ ص: 381 ] الإسبيجابي مفرع على ذلك أيضا تأمل .

                                                                                        ( قوله ودل كلامه إلخ ) قال في النهر لم أر ما لو جن فأحرم عنه وليه أو رفيقه وشهد به المشاهد كلها هل يصح ويسقط عنه حجة الإسلام أم لا ثم رأيته في الفتح نقل عن المنتقى عن محمد أحرم وهو صحيح ثم أصابه عنه فقضى به أصحابه المناسك ، ووقفوا به فمكث كذلك سنين ثم أفاق أجزأه ذلك عن حجة الإسلام ا هـ .

                                                                                        ، وهذا ربما يؤمن إلى الجواز فتدبر ا هـ . ولا تنس ما قدمناه قبيل المواقيت فإنه صريح في ذلك .




                                                                                        الخدمات العلمية