( قوله ومن فقد أحرم ) بيان لما يقوم مقام التلبية لأن المقصود من التلبية إظهار الإجابة للدعوة وهو حاصل بتقليد الهدي قيد بكونه محرما بثلاثة التقليد والتوجه وإرادة النسك فأفاد أن التقليد وحده لا يكفي ، وكذا أخواه وكذا لو تقلد وساق ولم ينو لا يكون محرما فما ذكره قلد بدنة تطوع أو نذر أو جزاء صيد أو نحوه فتوجه معها يريد الحج الإسبيجابي من أنه لو قلدها وساقها قاصدا إلى مكة صار محرما بالسوق نوى الإحرام أو لم ينو مخالف لما عليه العامة فلا يعول عليه كذا في فتح القدير ، وقد يقال إن قصد مكة منه نية فلا يحتاج معه إلى نية أخرى فلا مخالفة منه لما عليه العامة ، وأراد بجزاء الصيد جزاء صيد عليه في حجة سابقة فقلده في السنة الثانية أو جزاء صيد الحرم ، وأفاد بقوله أو نحوه إلى أن هذا الحكم لا يختص بشيء بل المراد أنه قلد بدنة مطلقة ، والتقليد أن يعلق على عنق بدنته قطعة نعل أو شراك نعل أو عروة مزادة أو لحاء شجر أو نحو ذلك مما يكون علامة على أنه هدي ، والمعنى بالتقليد إفادة أنه عن قريب يصير جلده كذا اللحاء والنعل في اليبوسة لإراقة دمه ، وكان في الأصل يفعل ذلك كي لا تهاج عن الورود والكلإ ولترد إذا ضلت للعلم بأنه هدي ، وذكر الشارح أنه لو اشترك جماعة في بدنة فقلدها أحدهم صاروا محرمين إن كان ذلك بأمر البقية وساروا معها .
( قوله فإن بعث بها ثم توجه إليها لا يصير محرما حتى يلحقها إلا في بدنة المتعة ) لفقد أحد الشروط الثلاثة ، وهو السوق في الابتداء فإذا أدركها اقترنت نيته بفعل ما هو من خصائصها إلا في هدي هو من خصائص الحج وضعا ، وهو هدي المتعة والقران فإنه لا يحتاج فيه إلى الإدراك ، والمتعة تشمل التمتع العرفي والقران ; لأن المذكور في الآية إنما هو التمتع بقوله تعالى { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج } إلى آخره فهو دليلهما فلذا اقتصر المصنف على المتعة ، ولما كان التمتع لا يكون قبل أشهر الحج لم يقيد البعث بأشهر الحج فاستغنى عن تقييد النهاية ثم المصنف تبعا للجامع الصغير شرط اللحوق فقط ، ولم يشترط السوق معه وشرطهما في المبسوط ، والظاهر الأول ; لأن فعل الوكيل بحضرة الموكل كفعل الموكل كذا علل به في فتح القدير ، وقد يقال لا يحتاج إليه ; لأنه يصير محرما باللحوق ، وإن لم يسقها أحد وهذا التعليل إنما هو على قول [ ص: 383 ] من يشترط السوق مع اللحوق ، وأفاد المصنف أنه لا بد من التوجه إلى بدنة المتعة ولا يكفي البعث .
( قوله وإن جللها أو أشعرها أو قلد شاة لم يكن محرما ) يعني وإن ساقها لأنه ليس من خصائص الحج فلم يقم مقام التلبية شيء ; لأن التجليل لدفع الأذى عنها ، والإشعار مكروه عند وهو أن يطعن من الجانب الأيسر في السنام فيسيل الدم فلا يكون من النسك ، وعندهما وإن كان حسنا فقد يفعل للمعالجة بخلاف التقليد فإنه يختص بالهدي ولذا كان التقليد أحب من التجليل ; لأنه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتجليل حسن للاتباع ، ويستحب التصدق به ، وأما تقليد الشاة فغير متعارف وليس بسنة أيضا فلا يقوم مقامها ، وقد علم مما قرره أبي حنيفة المصنف أنه لا يكون محرما بمجرد النية من غير تلبية أو ما يقوم مقامها وهو المذهب وعن أنه يكتفى بالنية ولا خلاف أن التلبية وحدها لا تكفي بلا نية . ( قوله والبدن من الإبل والبقر ) يعني لغة وشرعا قال أبي يوسف البدنة ناقة أو بقرة ، وقال الجوهري النووي أنه قول أكثر أهل اللغة فإذا طلب من المكلف بدنة خرج عن العهدة بالبقرة كالناقة ، وأما حديث الرواح يوم الجمعة وعطفه البقرة على البدنة فمحمول على أنه أراد بالأعم بعض الأفراد وهو الجزور لا كل ما يصدق عليه لأنه لو كانت البدنة اسما للجزور فقط للزم النقل عن المعنى اللغوي ، وهو خلاف الأصل فالحاصل أن العطف في الحديث يقتضي المغايرة بينهما ظاهرا ، ولزوم النقل عن المعنى اللغوي على تقديره خلاف الأصل ، فالظاهر عدمه فتعارضا فرجحنا ما ذهبنا إليه لما ثبت في حديث كنا ننحر البدنة عن سبعة فقيل والبقرة فقال وهل هي إلا من البدن ، ذكره جابر في صحيحه ، وثمرة الاختلاف تظهر فيما إذا التزم بدنة فإن نوى شيئا فهو على ما نوى ; لأن المنوي إذا كان من محتملات كلامه فهو كالمصرح به ، وإن لم يكن له نية فعليه بقرة أو جزور فينحرها حيث شاء في قولهما خلافا مسلم فإنه يقيسه على الهدي ، وهو يختص لأبي يوسف بمكة اتفاقا وهما قاساه على ما إذا التزم جزورا فإنه لا يختص بمكة اتفاقا كذا في المبسوط والله أعلم .
[ ص: 382 ]