( قوله : أو حلق ربع رأسه أو لحيته ، وإلا تصدق كالحالق أو رقبته أو إبطيه أو أحدهما أو محجمه ) معطوف على طيب ، وقوله أو لحيته بالجر معطوف على رأسه أي حلق ربع لحيته ، وقوله : وإلا أي ، وإن كان حلق أقل من ربع الرأس أو أقل من ربع اللحية يلزمه صدقة كما يلزم المحرم إذا حلق رأس غيره ، وقوله أو رقبته ، وما عطف عليه معطوف على الربع أي يجب الدم بحلق المحرم رقبته كلها أو بحلق إبطيه أو أحدهما أو بحلق محاجمه والمحجمة هنا بالفتح موضع المحجمة من العنق والمحجمة بالكسر قارورة الحجام ، وكذا المحجم بطرح الهاء ، وقولهم يجب غسل المحاجم يعني مواضع الحجامة من البدن كذا في المغرب ، وإنما كان حلق ربع الرأس أو ربع اللحية موجبا للدم لتكامل الجناية بتكامل الارتفاق ; لأن بعض الناس يعتاده بخلاف تطييب ربع العضو فإن الجناية فيه قاصرة ، وكذا تغطية ربع الرأس على قول من اعتبر الأكثر ، وإذا حلق أقل من الربع فيهما تقاصرت الجناية فوجبت الصدقة واعتبار الربع في الحلق رواية الجامع الصغير اعتمدها المشايخ ، وأما رواية الأصل فاعتبار الثلث ، وفي المحيط ، وعند أبي حنيفة يجب الدم بحلق الأكثر . ا هـ .
وأراد المصنف بالحلق الإزالة ، سواء كان بالموسى أو بغيره ، وسواء كان مختارا أو لا فلو أزاله بالنورة أو نتف لحيته أو احترق شعره بخبزة أو مسه بيده فسقط فهو كالحلق كما في المحيط وغيره بخلاف ما إذا تناثر شعره بالمرض أو النار فلا شيء عليه ; لأنه ليس للزينة ، وإنما هو شين كذا في المحيط أيضا ، وأطلق في وجوب الصدقة فيما إذا حلق أقل من ربع الرأس أو اللحية فشمل ما إذا بقي شيء بعد الحلق أو لا فكذا لو كان أصلع على ناصيته أقل من ربع الرأس فإنما فيه صدقة وكذا لو حلق كل رأسه ، وما عليه أقل من ربع شعره كما أطلق وجوب الدم بحلق [ ص: 10 ] الربع فلذا لو كان على رأسه قدر ربع شعره لو كان شعر رأسه كاملا ففيه دم ، قال في فتح القدير : وعلى هذا يجيء مثله فيمن بلغت لحيته الغاية في الخفة ، وعلم من إيجابه الدم بحلق أحد الإبطين أو الإبطين أن جناية الحلق واحدة ، وإن تعددت في البدن فلذا لو حلق رأسه ولحيته ، وإبطيه بل كل بدنه في مجلس واحد فدم واحد بشرطين . الأول : أن لا يكون كفر للأول فلو أراق دما لحلق رأسه ثم حلق لحيته لزمه آخر . الثاني أن يتحد المجلس فإذا اختلف المجلس فلكل مجلس موجب جنايته إن تعدد المحل كما ذكرنا ، وإن اتحد فدم واحد ، وإن اختلف المجلس كما إذا حلق الرأس في مجالس وخالف محمد فيما إذا تعدد المحل فألحقه بما إذا اتحد ، وظاهر قول المصنف ، وإلا تصدق أن في إزالته لشعر الرأس أو اللحية إذا كان أقل من الربع نصف صاع ، ولو كان شعرة واحدة فإنهم قالوا كل صدقة في الإحرام غير مقدرة فهي نصف صاع من بر إلا ما يجب بقتل القملة والجرادة كما أن واجب الدم يتأدى بالشاة في جميع المواضع إلا في موضعين من طاف للزيارة جنبا أو حائضا أو نفساء ، ومن جامع بعد الوقوف بعرفة قبل الطواف فإنه بدنة كذا في الهداية وغيرها لكن ذكر قاضي خان في فتاويه أنه إن نتف من رأسه أو من أنفه أو لحيته شعرات فلكل شعرة كف من طعام ، وفي خزانة الأكمل في خصلة نصف صاع .
فظهر بهذا أن في كلام المصنف اشتباها ; لأنه لم يبين الصدقة ، ولم يفصلها ، وأطلق في لزوم الصدقة على الحالق فشمل ما إذا كان محرما سواء كان المحلوق محرما أو لا أو حلالا والمحلوق رأسه محرم ، ولا يرد عليه ما إذا كانا حلالين ; لأنه ليس بجناية منهما ، وكلامه فيما يكون جناية ، وإنما لزمه الصدقة فقط لقصور جنايته ; لأنه ينتفع بإزالة شعر غيره انتفاعا قليلا بخلاف المحلوق ، وإنما صار جناية من الحالق الحلال باعتبار أن شعر المحرم استحق الأمن ، وقد أزاله [ ص: 11 ] عنه فكان جانيا ، وإذا كان المحلوق رأسه مكرها وجب الدم عليه ، ولا رجوع له على الحالق عندنا كذا في المحيط . وظاهر كلامه أنه لا بد من حلق جميع الرقبة والإبط والمحجمة في لزوم الدم بكل منهم فلو بقي من الرقبة أو الإبط شيء لا يلزمه ، وإن كان قليلا ولهذا قال الإسبيجابي ، ولو حلق من أحد الإبطين أكثره وجبت الصدقة فعلى هذا فما صرح به في المحيط من أن الأكثر من الرقبة كالكل في لزوم الدم ، وأن الأصل أن كل عضو له نظير في البدن لا يقوم أكثره مقام كله ، وكل عضو لا نظير له في البدن كالرقبة يقوم أكثره مقام كله .
وما في فتاوى قاضي خان من أن في الإبط إذا كان كثير الشعر يعتبر فيه الربع لوجوب الدم ، وإلا فالأكثر ضعيف ; لأنه لم يقيد أحد حلق ربع غير اللحية والرأس فليس فيه ارتفاق كامل ولهذا قال الشارح ثم الربع من هذه الأعضاء لا يعتبر بالكل ; لأن العادة لم تجر في هذه الأعضاء بالاقتصار على البعض فلا يكون حلق البعض ارتفاقا كاملا حتى لو حلق أكثر الإبط لا يجب عليه إلا صدقة بخلاف الرأس واللحية . ا هـ .
فالمذهب ما في الكتاب من اعتبار الربع في الرأس واللحية والكل في غيرهما في لزوم الدم ، وأراد بالرقبة ، وما عطف ما عدا الرأس واللحية كالصدر والساق والعانة كالرقبة لكن في فتاوى قاضي خان ، وفي حلق العانة دم إن كان الشعر كثيرا . ا هـ .
فشرط كثرة الشعر فصار الحاصل أن فيما عدا الرأس واللحية إن حلق عضوا كاملا فعليه دم ، وإن كان أقل فعليه صدقة ، وفي المبسوط ، ومتى حلق عضوا مقصودا بالحلق فعليه دم ، وإن حلق ما ليس بمقصود فصدقة ثم قال : ومما ليس بمقصود حلق الصدر والساق ورجحه في فتح القدير ودفع ما في الهداية من أنه مقصود بطريق التنور بأن القصد إلى حلقهما إنما هو في ضمن غيرهما إذ ليست العادة تنوير الساق وحده بل تنوير المجموع من الصلب إلى القدم فكان بعض المقصود بالحلق فالحق أن يجب في كل منهما الصدقة . ا هـ .
فعلى هذا فالتقييد بالرقبة ، وما عطف عليه للاحتراز عن الصدر والساق بما ليس بمقصود ، وأطلق في المحجمة ، وهو مقيد بما إذا كان الحلق لهذا الموضع وسيلة إلى الحجامة فلو حلقها ، ولم يحتجم لزمه صدقة ; لأنه غير مقصود كما في فتح القدير ، وفي فتح القدير .
واعلم أنه يجمع المتفرق في الحلق كما في الطيب ، وفي الهداية ذكر في الإبطين الحلق هنا ، وفي الأصل النتف ، وهو السنة ، وفي النهاية ، وأما العانة فالسنة فيها الحلق لما جاء في الحديث { عشر من السنة منها الاستحداد } وتفسيره : حلق العانة بالحديد .


