( قوله : وانتفاخ حيوان أو تفسخه ) أي ينزح ماء البئر كله لأجل صغر الحيوان أو كبر كالفأرة والآدمي والفيل لانتشار البلة في أجزاء الماء ; لأن عند انتفاخه تنفصل بلته ، وهي نجسة مائعة فصارت كقطرة من خمر ; ولهذا لو انتفاخ الحيوان الواقع فيها أو تفسخه مطلقا ينزح الماء كله ; لأن موضع القطع منه لا ينفك عن نجاسة بخلاف ما لو أخرجت قبل الانتفاخ ; لأن شيئا من أجزائها لم يبق في الماء بعد إخراجها والانتفاخ أن تتلاشى أعضاؤه والتفسخ أن تتفرق عضوا عضوا وكذا إذا تمعط شعره فهو كالمنتفخ قال في السراج الوهاج ، فإن جعل موضع القطع شمعة لم يجب إلا ما يجب في الفأرة ا هـ . وقع ذنب فأرة
فروع لا يفيد النزح قبل إخراج الواقع ; لأنه سبب النجاسة ومع بقائها لا يمكن الحكم بالطهارة إلا إذا تعذر إخراجه وكان متنجسا كما قدمناه ، وإذا لم يوجد في البئر القدر الواجب نزح ما فيها فإذا جاء الماء بعده لا ينزح منه شيء ، ولو يعود نجسا ; لأنه لم يوجد المطهر ، وإن غار الماء قبل النزح ثم عاد تجزئه كذا في التجنيس لكن اختار في فتح القدير أنه لا يعود نجسا وصرح في باب الأنجاس بأن فيه روايتين كنظائره والأصح عدم العود ; لأنه بمنزلة النزح كذا في المعراج وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى لكن إنما يكون الأصح عدم العود فيما إذا جف أسفله أما إذا غار ولم يجف أسفله فالأصح العود كما أفاده السراج الوهاج ، وإذا طهرت البئر يطهر الدلو والرشا والبكرة ونواحي البئر ويد المستقي ; لأن نجاسة هذه الأشياء بنجاسة البئر فتطهر بطهارتها للحرج كدن الخمر يطهر تبعا إذا صار خلا وكيد المستنجي تطهر بطهارة المحل وكعروة الإبريق إذا كان في يده نجاسة رطبة فجعل يده عليها كلما صب على اليد فإذا غسل اليد ثلاثا طهرت العروة بطهارة اليد صلى رجل في قعرها ، وقد جفت
ولو سال النجس على الآجر ثم وصل إلى الماء فنزحها طهارة للكل ، وقيل الدلو طاهر في حق هذه البئر لا غيرها كدم الشهيد طاهر في حق نفسه ولا يجب نزح الطين في شيء من الصور لأن الآثار إنما وردت بنزح الماء وفي المجتبى وكلما نزح من البئر شيء طهر من الدلو بقدره وليتأمل فيه وفي فتاوى قاضي خان احتياطا ثم ولا يطين المسجد بطين البئر التي نزحت فلو نجاسة البئر بعد إخراج الفأرة وغيرها غليظة ثم بقدر ما ينزح تخف ينزح من الثانية عشرون ، ولو صب الثاني تسعة عشر وكذا الثالث على هذا ، ولو صب الدلو الأخير ينزح دلو مثله والأصل في هذا أن البئر الثانية تطهر بما تطهر به الأولى ، ولو صب الدلو الأول من بئر وجب فيها نزح عشرين في بئر طاهرة يجب إخراج الفأرة ونزح عشرين دلوا ; لأن الأولى تطهر به فكذا الثانية ، ولو صب الدلو العاشرة في بئر طاهرة ينزح منها عشر دلاء وفي رواية أخرجت الفأرة وألقيت في بئر طاهرة وصب أيضا فيها عشرون من الأولى أبي سليمان وفي رواية أبي حفص إحدى عشرة ، وهو الأصح قال الإسبيجابي ووفق بين الروايتين فالأولى سوى المصبوب والثانية مع المصبوب فلا خلاف
ولو ينظر بين المصبوب وبين الواجب فيها فأيهما كان أكثر أغنى عن الأقل ، فإن استويا فنزح أحدهما يكفي مثاله صب ماء بئر نجسة في بئر أخرى ، وهي نجسة أيضا ينزح عشرون ، ولو صب دلو واحد ، فكذلك ، ولو بئران ماتت في كل منهما فأرة فنزح من إحداهما عشرة مثلا وصب في الأخرى ينزح ثلاثون ، ولو صب فيها من كل عشرون نزح أربعون وينبغي أن ينزح المصبوب ثم الواجب فيها على رواية ماتت فأرة في بئر ثالثة فصب من إحدى البئرين عشرون ومن الأخرى عشرة أبي حفص ، ولو نزح دلو من الأربعين وصب في العشرين ينزح الأربعون ; لأنه لو صب في بئر طاهرة كذلك فكذا هذا ، وهذا كله قول وعن محمد روايتان في رواية ينزح جميع الماء وفي رواية ينزح الواجب والمصبوب جميعا فقيل له إن أبي يوسف روى عنك الأكثر فأنكر [ ص: 128 ] وكذا قال محمدا في أبو يوسف ينزح ماؤها كله على الرواية الأولى ; لأن الدلو الذي نزح أخذ حكم النجاسة ; ولهذا لو أصاب الثوب نجسه ويجب غسله ، فصار كما إذا وقع في البئر نجاسة أخرى واقتصر على هذه الرواية في التجنيس ودفعه في فتح القدير بأن هذا إنما يظهر وجهه في المسألة السابقة ، وهي ما إذا كان المصبوب فيها طاهرة بئرين وقع في كل واحد منهما سنور فنزح من إحداهما لو صب في الأخرى
أما إذا كانت نجسة فلا ; لأن أثر نجاسة هذا الدلو إنما يظهر فيما إذا ورد على طاهر وقد ورد هنا على نجس فلا يظهر أثر نجاسته فتبقى الموردة على ما كانت ، فتطهر بإخراج القدر الواجب وجه دفعه عن المسألة السابقة ما في المبسوط من أنا نتيقن أنه ليس في هذا البئر إلا نجاسة فأرة ونجاسة فأرة يطهرها عشرون دلوا ا هـ وفي المحيط معزيا إلى النوادر
فإن ماتت في حب فأريق الماء في البئر قال ينزح الأكثر من المصبوبة ومن عشرين دلوا ، وهو الأصح ; لأن الفأرة لو وقعت فيها ينزح عشرون فكذا إذا صب فيها ما وقع فيه إلا إذا زاد المصبوب على ذلك فتنزح الزيادة مع العشرين وقال محمد : ينزح المصبوب وعشرون دلوا ; لأنه يصير بمنزلة ما لو وقعت الفأرتان في البئر يجب نزحهما ونزح عشرين دلوا كذا هذا ، وفي الكافي والمستصفى والبدائع أن أبو يوسف بالحاء المهملة يهراق الماء كله ولم يعلله له الفأرة إذا وقعت في الحب
ووجهه أن الاكتفاء بنزح البعض مخصوص بالآبار ثبت بالآثار على خلاف القياس فلا يلحق به غيره فعلى هذا إذا ، فإن الماء كله يهراق كما لا يخفى ولا يحكم بطهارة البئر ما لم ينفصل الدلو الأخير عن رأس البئر عندهما ; لأن حكم الدلو حكم المتصل بالماء والبئر وعند وقعت الفأرة في الصهريج أو الفسقية ولم يكونا عشرا في عشر يطهر بالانفصال عن الماء ولا اعتبار بما يتقاطر للضرورة وثمرة الخلاف تظهر فيما إذا انفصل الدلو الأخير عن الماء ، ولم ينفصل عن رأس البئر واستقى من مائها رجل ثم أعاد الدلو فعندهما الماء المأخوذ قبل العود نجس ، وعنده طاهر كذا في التبيين وظاهره أن عود الدلو قيد وليس كذلك بل الماء المأخوذ قبل الانفصال عن رأس البئر نجس عندهما مطلقا عاد الدلو أو لا ولهذا لم يذكر هذا القيد في فتح القدير ومعراج الدراية والمحيط وكثير من الكتب فكان زائدا وفي البدائع لم يذكر في ظاهر الرواية قول محمد وإنما ذكره أبي حنيفة الحاكم وفي التجنيس إذا لنجاسته بخلاف السرقين إذا جعله في الطين ; لأن في ذلك ضرورة ; لأنه لا يتهيأ إلا بذلك ا هـ . نزح الماء النجس من البئر يكره أن يبل به الطين ولا يطين به المسجد أو أرضه
[ ص: 127 ]