الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( فصل : إن قتل محرم صيدا أو دل عليه من قتله فعليه الجزاء ) لقوله تعالى { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } الآية ، ولحديث أبي قتادة السابق الدال على تحريم الإشارة والأمر فألحقت بالقتل استحسانا باعتبار تفويت الأمن وارتكاب محظور إحرامه ، وليس زيادة على الكتاب بخبر الواحد ; لأن الكتاب إنما نص على القتل ، وتخصيص الشيء بالذكر لا ينفي الحكم عما عداه ، وحقيقة الصيد حيوان ممتنع متوحش بأصل الخلقة سواء كان بقوائمه أو بجناحه فدخل الظبي المستأنس ، وإن كانت ذكاته بالذبح وخرج البعير والشاة إذا استوحشا ، وإن كانت ذكاتهما بالعقر ; لأن المنظور إليه في الصيدية أصل الخلقة ، وفي الذكاة الإمكان وعدمه ، وخرج الكلب والنسور مطلقا أهليا كان أو وحشيا ، وإنما لم يذكر المصنف تعريفه ; لأنه علم من إباحته بعد ذلك الشاة والبقر ، وما عطف عليه فعلم أن الصيد هو ما ذكر ثم هو على نوعين بري وبحري فالبري ما يكون توالده في البر ، ولا عبرة بالمثوى أي المكان ، والمائي ما يكون توالده في الماء ، ولو كان مثواه في البر ; لأن التوالد أصل والكينونة بعده عارض فكلب الماء والضفدع مائي ، وأطلق قاضي خان في الضفدع ، وقيده في فتح القدير بالمائي لإخراج الضفدع البري قال : ومثله السرطان [ ص: 29 ] والتمساح والسلحفاة والمائي حلال للمحرم والبري حرام عليه للآية { أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } ، وهو بعمومه متناول لما يؤكل منه ، وما لا يؤكل فيجوز للمحرم اصطياد الكل ، وهو الصحيح كما في المحيط والبدائع وغيرهما ، وبه يظهر ضعف ما في مناسك الكرماني من أنه لا يحل إلا ما يؤكل ، وهو السمك خاصة فالمراد بالصيد في المختصر صيد البر إلا ما يستثنيه بعد ذلك من الذئب والغراب والحدأة وبقية السباع أما الذئب والغراب والحدأة فلا شيء في قتلها أصلا ، وأما بقية السباع ففيها تفصيل نذكره ، وليس هذا الحكم المذكور هنا يشملها ، وأما بقية الفواسق فليست بصيود فلا حاجة إلى استثنائها ، وأطلق في الصيد فشمل ما يؤكل ، وما لا يؤكل حتى الخنزير كما في المحيط ، وفيه طير البحر لا يحل قتله ; لأن مبيضه ، ومفرخه في الماء ويعيش في البر والبحر فكان صيد البر من وجه فلا يجوز للمحرم .

                                                                                        وشمل الصيد المملوك وغيره فإذا قتل المحرم صيدا مملوكا لزمه قيمتان قيمة لمالكه وجزاؤه حقا لله تعالى كذا ذكره في المحيط في مسألة الهبة ، وأطلق في القتل فشمل ما إذا كان عن اضطرار أو اختيار كما سياتي وشمل ما إذا كان مباشرة أو بتسبب لكن في المباشرة لا يشترط التعدي فلو انقلب نائم على صيد فقتله يجب عليه الجزاء كما في المحيط وغيره ، وأما التسبب فلا بد من التعدي فلو نصب شبكة للصيد أو حفر بئرا للصيد فعطب ضمن ; لأنه متعد ، ولو نصب فسطاطا لنفسه فتعقل به فمات أو حفر حفيرة للماء أو لحيوان مباح قتله كالذئب فعطب فيها لا شيء عليه ، وكذا لو أرسل كلبه إلى حيوان مباح فأخذ ما يحرم أو أرسل إلى صيد في الحل ، وهو حلال فجاوز إلى الحرم فقتل صيدا لا شيء عليه ; لأنه غير متعد في السبب بخلاف ما لو رمى إلى فهد في الحل فأصابه في الحرم عليه الجزاء ; لأنه مباشرة ، ولا يشترط فيها التعدي حتى لو رمى إلى صيد فتعدى إلى آخر فقتلهما ضمن قيمتهما . وكذا لو ضرب بالسهم فوقع على بيض أو فرخ فأتلفهما ضمنهما ، وعلى هذا فما في المحيط من أن أربعة نزلوا بيتا بمكة ثم خرجوا إلى منى فأمروا أحدهم أن يغلق الباب ، وفيه حمام وغيرها فلما رجعوا وجدوها ماتت عطشا فعلى كل واحد منهم جزاؤها ; لأن الآمرين جمع آمر تسببوا بالأمر ، والمغلق بالإغلاق . انتهى .

                                                                                        محمول على ما إذا علموا بالطيور في البيت ; لأنه لا يكون تعديا إلا به ، وإلا فلا شيء عليهم لفقد شرط التسبب ، وأراد بالدلالة الإعانة على قتله سواء كانت دلالة حقيقية بالإعلام بمكانه ، وهو غائب أو لا وشرطوا في وجوب الجزاء على الدال المحرم خمسة شروط [ ص: 30 ] وإن كان آثما مطلقا أن يتصل القتل بدلالته فلا شيء على الدال لو لم يقتل المدلول ، وأن لا يكون المدلول عالما بمكان الصيد ، وأن يصدقه في الدلالة ، وأن يبقى الدال محرما إلى أن يقتله المدلول ، وأن لا ينفلت الصيد ; لأنه إذا انفلت صار كأنه جرحه ثم اندمل فتفرع على الشرط الثالث ما في المحيط لو أخبر المحرم بالصيد فلم يره حتى أخبره محرم آخر فإن كذب الأول لم يكن عليه جزاء ، وإن لم يكذبه ، ولم يصدقه فعلى كل واحد منهما جزاء كامل ; لأنه بخبر الأول وقع العلم بمكان الصيد غالبا وبالثاني استفاد علم اليقين فكان لكل واحد منهما دلالة على الصيد ، وإن أرسل محرم إلى محرم فقال : إن فلانا يقول لك أن في هذا الموضع صيدا فذهب فقتله فعلى الرسول والمرسل والقاتل الجزاء ; لأن الدلالة وجدت منهما وظهر بالشرط الثاني ضعف ما في المحيط معزيا إلى المنتقى من أنه لو قال : خذ أحد هذين ، وهو يراهما فقتلهما كان على الدال جزاء واحد ، وإن كان لا يراهما فعليه جزاءان . ا هـ .

                                                                                        لأنه إذا كان يراهما كان عالما بمكانهما ، وقد شرط وأعدم العلم بمكانه ولهذا لم يذكروا هنا الإشارة كما ذكروها في باب الإحرام ; لأنها خاصة بالحاضر وشرط وجوب الجزاء عدم العلم بالمكان فالحاصل أن الإشارة والدلالة سواء في منع المحرم منهما لكن الدلالة موجبة للجزاء بشروطها والإشارة لا توجب الجزاء اللهم إلا أن يقال : إن الأمر بالأخذ ليس من قبيل الدلالة فيوجب الجزاء مطلقا ويدل عليه ما في فتح القدير وغيره لو أمر المحرم غيره بأخذ صيد فأمر المأمور آخر فالجزاء على الآمر الثاني ; لأنه لم يمتثل أمر الأول ; لأنه لم يأتمر بالأمر بخلاف ما لو دل الأول على الصيد ، وأمره فأمر الثاني ثالثا بالقتل حيث يجب الجزاء على الثلاثة ، وكذا الإرسال كما ذكرناه آنفا فقد فرقوا بين الأمر المجرد والأمر مع الدلالة .

                                                                                        ودخل تحت الإعانة ما ذكره في المحيط محرم رأى صيدا في موضع لا يقدر عليه فدله محرم آخر على الطريق إليه أو رأى صيدا دخل غارا فلم يعرف باب الغار فدله محرم آخر على بابه فذهب إليه فقتله فعلى الدال الجزاء أيضا ; لأنه حين دله على الطريق والباب كأنه دله على الصيد ، وكذلك محرم رأى صيدا في موضع لا يقدر عليه إلا أن يرميه [ ص: 31 ] بشيء فدله محرم على قوس ونشاب أو دفع ذلك إليه فرماه فقتله فعلى كل واحد جزاء كامل . ا هـ .

                                                                                        مع أنه في هذه المسائل مشاهد للصيد فعلم أن الدلالة إذا فقد شرط منها لا يمتنع وجوب الجزاء بسبب الإعانة ، واختلفوا في إعارة السكين أو القوس أو النشاب هل هي إعارة موجبة للجزاء على المعير فصريح عبارة الأصل أنه لا جزاء على صاحب السكين ، وإن كان مكروها فحمله أكثر المشايخ على ما إذا كان مع القاتل سلاح أما إذا لم يكن معه ما يقتل به فالجزاء واجب ; لأن التمكن بإعارته وجزم به في المحيط ، وإليه أشار في السير وصحح السرخسي في مبسوطه أنه لا جزاء على المعير على كل حال ; لأن الإعارة ليست إتلافا حقيقة ، ولا حكما بخلاف الدلالة فإنها إتلاف معنى ، والظاهر ما عليه الأكثر من التفصيل لما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي قتادة { هل أعنتم } ، ولا شك أن إعارة السكين إعانة عليه .

                                                                                        ثم اعلم أن هذا الجزاء كفارة وبدل عندنا أما كونه كفارة فلوجود سببها ، وهو الجناية على الإحرام بارتكاب محظور إحرامه ولهذا قال : { أو كفارة طعام مساكين } ، وأما كونه بدلا فلوجود سببه ، وهو إتلاف صيد متقوم ولهذا اعتبرت المماثلة بين المقتول والجزاء ولهذا ذكر المصنف آخر الباب أنه لو اجتمع محرمان في قتل صيد تعدد الجزاء ; لأن الواجب كفارة في حق الجاني وجب جزاء على فعله ، وفعل كل واحد جناية على حدة بخلاف الحلالين كما سيأتي .

                                                                                        ثم اعلم أيضا أن الجزاء يتعدد بتعدد المقتول إلا إذا قصد به التحلل ورفض إحرامه كما صرح به في الأصل فقال : اصطاد المحرم صيدا كثيرا على قصد الإحلال والرفض لإحرامه فعليه لذلك كله دم ; لأنه قاصد إلى تعجيل الإحلال لا إلى الجناية على الإحرام ، وتعجيل الإحلال يوجب دما واحدا كما في المحصر كذا في المبسوط ، وقد يقال لا يصح القياس لما أن تعجيل الإحلال في المحصر مشروع بخلافه هنا ولهذا كان قصده باطلا ، ولا يرتفض به الإحرام فوجوده ، وعدمه سواء .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( فصل إن قتل محرم صيدا أو دل عليه من قتله فعليه الجزاء ) . ( قوله : فألحقت بالقتل استحسانا ) الضمير يعود على الدلالة المفهومة من قوله أو دل ، وليس في الحديث ذكر الدلالة كما صرح به في الفتح ، وقدمنا الكلام عليه في باب الإحرام ، وأن مسلما أخرجه بلفظ { هل أشرتم أو أعنتم قالوا لا قال : فكلوا } ، وقد استدل في الهداية بالحديث ووجهه في الفتح بأنه عليه السلام علق الحل على عدم الإشارة ، وهي تحصيل الدلالة بغير اللسان فأحرى أن لا يحل إذا دله باللفظ فقال : هناك صيد ونحوه . ا هـ .

                                                                                        وحاصله أن إلحاق المنع عن الدلالة بالإشارة ثابت بدلالة النص ; لأنه لما ذكر أن الحل ثابت مع عدم الإشارة فيثبت مع عدم الدلالة بالأولى ; لأنه لما علق على عدم الإشارة التي هي أضعف من الدلالة ، وكانت الإشارة ممنوعا عنها علم المنع عن الدلالة التي هي أقوى بالأولى فافهم بقي أن الحديث دل على حرمة اللحم بالدلالة لكن يلزمها أن تكون الدلالة محظورة فهي جناية على الإحرام ، ولما فوتت الأمن على الصيد على وجه اتصل القتل بها كان فيها الجزاء قياسا على القتل كما أوضحه في الفتح ، وقد ظهر أن الحديث لم يثبت به الحكم ، وهو الجزاء بل ثبت بالقياس خلاف ما يوهمه كلام الهداية حيث عطف على الحديث قوله ; ولأن الدلالة من محظورات ، وأنه تفويت الأمن فصار كالإتلاف فإن ظاهره أن كلا من الحديث والقياس مثبت له ، وليس كذلك كما نبه عليه في الفتح .

                                                                                        وعن هذا استدل المؤلف على وجوب الجزاء بقوله فألحقت بالقتل إلخ نعم . قوله : ولحديث أبي قتادة الدال على التحريم فيه نظر لما علمت ( قوله : وحقيقة الصيد حيوان ممتنع إلخ ) ، وقد يوجد من الحيوانات أن يكون في بعض البلاد وحشية الخلقة ، وفي [ ص: 29 ] بعضها مستأنسة كالجموس فإنه في بلاد السودان مستوحش ، ولا يعرف منه مستأنس عندهم كذا في شرح اللباب ، ولم يبين حكمه صريحا ، وظاهره أنه يعتبر في بلاد السودان صيدا حتى يحرم على المحرم صيده ما دام في بلادهم . ( قوله : للآية ) قال : في شرح اللباب والظاهر أن ماء البحر لو وجد في أرض الحرم يحل صيده أيضا لعموم الآية ولشمول قوله صلى الله عليه وسلم { هو الطهور ماؤه والحل ميتته } ، وقد صرح به الشافعية حيث قالوا لا فرق بين أن يكون البحر في الحل أو الحرم . ا هـ .

                                                                                        ( قوله : وفيه ) أي المحيط طير البحر إلخ مخالف لما مر من أن المعتبر التوالد لا المثوى لكن رأيت في اللباب ما نصه ، وأما طيور البحر فلا يحل اصطيادها ; لأن توالدها في البر قال شارحه كذا في البدائع والمحيط ( قوله : وأطلق في القتل إلخ ) قال في اللباب ويستوي في وجوب الجزاء الرجل والمرأة والعامد والناسي والخاطئ والساهي والطائع والمكره والمبتدئ والعائد والحاج والمعتمر والنائم واليقظان والصاحي والسكران والمفيق والمغمى عليه والمباشرة بالنفس أو بالغير فلو ألبسه أحد أو طيبه أو حلق رأسه ، وهو نائم أو لا فعلى المفعول الجزاء سواء كان بأمره أو لا . ا هـ .

                                                                                        وفيه أيضا : وشرائط وجوب الكفارة منها الإسلام فلا تجب على كافر ، والعقل والبلوغ فلا تجب على صبي ، ومجنون إلا إذا جن بعد الإحرام ، ولو بعد سنين فيجب عليه جزاء ما ارتكبه في الإحرام ، ولا على كافر ، وأما الحرية فليست بشرط فيجب على المملوك الصوم في الحال ، وأما الدم والصدقة فيجب عليه أداؤه بعد العتق ، ومنها القدرة على أداء الواجب ، وهي أن يكون في ملكه فضل مال على كفايته فحينئذ يؤخذ منه الطعام أو الدم أو لم يكن له فضل مال ، ولكن في ملكه عين الواجب من طعام أو دم صالح للتكفير فإذا كان في ملكه ذلك وجب عليه أداؤه والمعتبر في القدرة وقت الأداء لا وقت الوجوب . ا هـ .

                                                                                        ( قوله : وأراد بالدلالة الإعانة على قتله ) لعل الحامل له على هذا ما مر في الحديث من قوله { أو أعنتم } ، وإلا لو أريد بالدلالة حقيقتها لم يشمل غيرها وسيأتي ترجيح وجوب الجزاء بإعارة سكين ونحوها بناء على ذلك ودخل في الدلالة الإشارة أيضا وسيأتي تمامه ( قوله : على الدال المحرم ) قيد بالمحرم ; لأنه لو كان الدال حلالا في صيد الحرم والحل فلا شيء عليه إلا أنه يحرم عليه ذلك لباب قال في شرحه : وفي الغاية عن الخزانة لو دل حلال حلالا على صيد الحرم فقتله فعليه قيمته ، وعلى الدال نصفها ، وقال : أبو يوسف لا شيء على الدال . ا هـ .

                                                                                        والمذكور في المشاهير من الكتب عدم لزوم [ ص: 30 ] شيء على الدال مطلقا عند أصحابنا الثلاثة خلافا لزفر . ا هـ .

                                                                                        ثم قال في اللباب ، ولا يشترط كون المدلول محرما فلو دل محرم حلالا في الحل فقتله فعلى الدال الجزاء ، ولا شيء على المدلول ( قوله : وإن كان آثما مطلقا ) سيأتي عن النهر أن الأصح عدم الإثم فيما إذا علم المحرم به يعني المدلول ( قوله : أن يتصل القتل بدلالته ) أي يتحصل بسببها شرح اللباب ( قوله : وأن لا ينفلت الصيد ) فلو انفلت ثم أخذه لا شيء على الدال إلا أنه يكره له ذلك لباب ( قوله : فتفرع على الشرط الثالث ما في المحيط إلخ ) ظهر من هذا التفريع أنه ليس معنى التصديق أن يقول له صدقت بل أن لا يكذبه .

                                                                                        ( قوله : وإن لم يكذبه ، ولم يصدقه ) بأن أخبره فلم يره كذا في اللباب قال : شارحه أي فإنه حينئذ يحتمل إخباره الصدق والكذب بخلاف ما إذا كان مشاهدا ظاهرا فإنه لا يحتمل أن لا يصدقه ، ولا أن يكذبه ( قوله : فالحاصل أن الإشارة والدلالة إلخ ) قال في النهر قدمنا في الإحرام أن كلا من الإشارة والدلالة إنما يحرم إذا لم يعلم المحرم لا إن علم ، هو الأصح ، وقيل يحرم مطلقا ، وعلم منه ثبوت حرمة الإشارة مع عدم العلم اتفاقا فيلزمه الجزاء بها بل هي أقوى من الدلالة ثم رأيته في البدائع قال : لو دل عليه أو أشار إليه فإن كان المدلول يرى الصيد أو يعلم به من غير دلالة ، وإشارة فلا شيء على الدال ، وإن رآه بدلالته فقتله فعليه الجزاء عند أصحابنا ، وفي السراج لو أشار المحرم لرجل إلى صيد فقال : خذ ذلك الصيد فأخذه وصيدا كان معه في الوكر فعلى الآمر الجزاء في الأول دون الثاني فقوله إن الإشارة لا شيء فيها ، وأنهم لم يذكروها ممنوع ، ولا تلازم بين الإشارة ، وعلم المشار إليه قبلها كما هو واضح .

                                                                                        والشروط المتقدمة في الدلالة ينبغي أنها ثابتة فيها بالأولى إذ لا معنى لتكذيبه مع رؤيته له ، وهذا وإن لم أره في كلامهم صريحا إلا أن النظر الصحيح يقتضيه . ا هـ .

                                                                                        قلت : يدل عليه ما ذكره المؤلف من قوله ، وأراد بالدلالة الإعانة على قتله سواء كان دلالة حقيقة بالإعلام بمكانه ، وهو غائب أو لا فإنه ظاهر في أن المراد بالدلالة ما يعم الإشارة فإن أصل الدلالة في الغائب والإشارة في الحاضر كما مر في باب الإحرام على أنه ذكر الشيخ إسماعيل هناك عن البرجندي ما نصه ، ولا يخفى أن ذكر الدلالة يغني عن الإشارة ، وقد تخص الإشارة بالحضرة والدلالة بالغيبة . ا هـ .

                                                                                        ومقتضاه أن الدلالة بالحضرة حقيقة أيضا ، وأما ما ذكره صاحب النهر أولا من الاستدلال بالحرمة على لزوم الجزاء ففيه نظر ; لأنه لو فقد أحد الشروط السابقة يبقى الإثم مع عدم الجزاء ، وكذا الرفث محظور مع عدم الجزاء فيه ثم قال في النهر ، وقوله اللهم إلا أن يقال : إلخ ممنوع بل الأمر من قبيل الدلالة فقد علل في السراج ما في الفتح من كون الجزاء في الأمر على الثاني فقط بأنه أمره بالقتل ، ولم يأمره بالدلالة فلم يكن ممتثلا ما أمر به . ا هـ .

                                                                                        فجعل الأمر الثاني دلالة ، ولا فرق بينه وبين الأول ، غاية الأمر أنه لما لم يمتثل أمره فكأنه كذبه ، وإنما تعدد الجزاء في الثانية باعتبار الدلالة لا الأمر لعدم امتثاله إياه فلم يبق ثمة إلا دلالة تعددت والأمر [ ص: 31 ] بعدها ليس تكذيبا لها فما في الفتح لا دلالة فيه ( قوله : إذا فقد شرط منها إلخ ) أي لو فقد شرط من شروط الدلالة السابقة ووجدت الإعانة لا يمتنع الجزاء بسبب الإعانة كما هنا فوجوب الجزاء للإعانة لا للدلالة وجعل في النهر ما ذكره في المحيط مما ألحق بالدلالة قال : لا حاجة لما في البحر ; لأن تعليله في المحيط يأباه . ا هـ .

                                                                                        أقول : تفسيره الدلالة فيما مر بالإعانة يغني عما ذكره هنا كما أشرنا إليه ( قوله : فحمله أكثر المشايخ إلخ ) قال : في البدائع ونظير هذا ما قالوا لو أن محرما رأى صيدا ، وله قوس أو سلاح يقتل به ، ولم يعرف ذلك في أي موضع فدله محرم على سكينه أو على قوسه فأخذ فقتله به إن كان يجد غير ما دله عليه مما يقتل به لا يضمن الدال ، وإن لم يجد غيره ضمن . ا هـ .

                                                                                        وتمامه في شرح اللباب ( قوله : وقد يقال لا يصح القياس إلخ ) قدم في تعليل عدم لزوم الدم فيما إذا نوى بالجماع الثاني رفض الحج الفاسد أنه استند إلى قصد واحد ، وهو تعجيل الإحلال ، وإن أخطأ في تأويله ، وهو مذكور في الفتح ، وقدمنا عن الكافي أن التأويل الفاسد معتبر في رفع الضمان كالباغي إذا أتلف مال العادل قال في الشرنبلالية بعد التعليل السابق ، وعلى هذا سائر محظورات الإحرام . ا هـ .

                                                                                        فالظاهر أنه ليس المراد القياس على المحصر بل مجرد التشبيه تأمل . وقول المؤلف فوجوده ، وعدمه سواء ممنوع لما علمت ، وقدمنا عن اللباب تعميم المسألة في سائر المحظورات ، وأن نية الرفض إنما تعتبر ممن زعم أنه خرج منه بهذا القصد لجهله .




                                                                                        الخدمات العلمية