الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : وبقتل قملة وجرادة تصدق بما شاء ) أما وجوب الصدقة بقتل القملة فلأنها متولدة من التفث الذي على البدن والمحرم ممنوع من إزالته بمنزلة إزالة الشعر حتى لو قتل ما على الأرض من القمل فإنه لا شيء عليه أو قتلها من بدن غيره فكذلك كما في الظهيرية وغيرها ، وفي المحيط ويكره قتل القملة ، وما تصدق به فهو خير منها أطلق في قتل القملة فشمل ما إذا كان مباشرة أو تسببا لكن يشترط في الثاني القصد كما قدمناه فعليه الجزاء لو وضع ثيابه في الشمس ليقتل حر الشمس القمل كالصيد ، ولا شيء عليه لو لم يقصد ذلك كما لو غسل ثوبه فمات القمل كذا في غاية البيان ، وقد علم من كلامه أن القمل كالصيد فأفاد أن الدلالة موجبة فيها فلو أشار المحرم إلى قملة على بدنه فقتلها الحلال وجب الجزاء ، وعلم من التعليل أن إلقاء القملة كالقتل ; لأن الموجب إزالتها عن البدن لا خصوص القتل كما صرح به الإسبيجابي وغيره ، وأراد بالقملة القليل منه ; لأن الكثير منه جزاء قتله صدقة معينة ، وهي نصف صاع لا التصدق بما شاء . وظاهر كلام الإسبيجابي أن ما زاد على الثلاث كثير ، وكلام قاضي خان أن العشرة فما فوقها كثير واقتصر شراح الهداية على الأول فكان هو المذهب ، وأما وجوبها بقتل الجرادة فلأن الجراد من صيد البر فإن الصيد ما لا يمكن أخذه إلا بحيلة ويقصده الآخذ ، وقال : عمر رضي الله عنه تمرة خير من جرادة فأوجبها على من قتل جرادة كما رواه مالك في الموطإ وتبعه أصحاب المذاهب .

                                                                                        أما ما في سنن أبي داود والترمذي عن أبي هريرة قال : { خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة أو غزوة فاستقبلنا رجل من جراد فجعلنا نضربه بأسيافنا ، وقسينا فقال : صلى الله عليه وسلم كلوه فإنه من صيد البحر } فقد أجاب النووي رحمه الله في شرح المهذب بأن الحفاظ اتفقوا على تضعيفه لضعف أبي المهزم ، وهو بضم الميم ، وكسر الزاي ، وفتح الهاء بينهما ، واسمه يزيد بن سفيان ، وفي رواية لأبي داود عن أبي رافع عن أبي هريرة [ ص: 38 ] قال البيهقي وغيره : ميمون غير معروف . ا هـ .

                                                                                        فليس هنا حديث ثابت فثبت أنه من صيد البر بإيجاب عمر الجزاء فيه بحضرة الصحابة ، وقد روى البيهقي بسند صحيح عن ابن عباس أنه قال : في الجراد قبضة من طعام ، ولم أر من تكلم على الفرق بين الجراد القليل والكثير كالقمل وينبغي أن يكون كالقمل ففي الثلاث ، وما دونها يتصدق بما شاء ، وفي الأربع فأكثر يتصدق بنصف صاع ، وفي المحيط مملوك أصاب جرادة في إحرامه إن صام يوما فقد زاد ، وإن شاء جمعها حتى تصير عدة جرادات فيصوم يوما . ا هـ .

                                                                                        وينبغي أن يكون القمل كذلك في حق العبد لما علم أن العبد لا يكفر إلا بالصوم ثم أطلق المصنف رحمه الله في الصدقة ; لأنه لم يذكر في ظاهر الرواية مقدارها ، وفي رواية الحسن عن أبي حنيفة أنه يطعم في الواحدة كسرة ، وفي الاثنين أو الثلاثة قبضة من الطعام ، وفي الأكثر نصف صاع كذا ذكره الإسبيجابي .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : فعليه الجزاء لو وضع ثيابه في الشمس ليقتل إلخ ) قال : في الشرنبلالية ، وفي شرح النقاية للبرجندي مثله ثم نقل خلافه عن المنصورية ، وهو نفي الجزاء ( قوله : فلو أشار إلخ ) ، وكذا لو قال : لحلال ادفع عني هذا القمل أو أمره بقتلها لباب قال شارحه : وكذا لو دفع ثوبه ليقتل ما فيه ففعل ( قوله : وأراد بالقملة إلخ ) قال في اللباب إن قتل محرم قملة تصدق بكسرة ، وإن كانت ثنتين أو ثلاثا فقبضة من طعام ، وفي الزائد على الثلاث بالغا ما بلغ نصف صاع . ا هـ .

                                                                                        قال شارحه كذا في البدائع والفتح ، وهو الذي روى الحسن عن أبي حنيفة ، وفي الجامع الصغير في قملة أطعم شيئا ، وهذا يدل على شيء يسير قال في الذخيرة ، وهو الأصح . ا هـ .

                                                                                        ورواية الحسن سيذكرها المؤلف قريبا ( قوله : وأما وجوبها بقتل الجرادة إلخ ) قال : في اللباب ، ولو وطئ جرادا عامدا أو جاهلا فعليه الجزاء إلا أن يكون كثيرا قد سد الطريق فلا يضمن ، ولو شوى جرادا فأكله بعدما ضمنه لا شيء عليه للأكل ويكره بيعه قبل الضمان . ا هـ .

                                                                                        قال شارحه وذكر قاضي خان في شرح الجامع الصغير محرم قطع شجرة من الحرم أو شوى بيض صيد في الحرم أو غيره أو حلب صيدا أو شوى جرادا فعليه الجزاء في جميع ذلك يعني القيمة ويكره له بيع هذه الأشياء فإن باع جاز ، ويملك ثمنه بخلاف الصيد الذي قتله المحرم ; لأنه ميتة فلا يجوز بيعها ، وإذا ملك الثمن إن شاء جعله في القيمة التي يؤديها ، وإن شاء جعله في غيرها وللمشتري أن ينتفع بذلك من حيث التناول ; لأن البيض والجراد لا يحتاج فيه إلى الذكاة والحلال والمحرم فيما لا يحتاج إلى الذكاة سواء ، وإنما لا يباح للأول ; لأنه كان صيدا في حقه ، وليس بصيد في حق الثاني . ا هـ .

                                                                                        وتبين الفرق بين الآخذ والمشتري في إباحة التناول كما لا يخفى . ا هـ .

                                                                                        ( قوله : رجل من جراد ) قوله : في القاموس الرجل بالكسر الطائفة من الشيء أو القطعة العظيمة من الجراد [ ص: 38 ] ( قوله : ولم أر من تكلم على الفرق إلخ ) استدرك عليه في النهر بما سيذكره عن المحيط أي فإنه صريح في الفرق بين قليل الجراد ، وكثيره والظاهر أن فرض المسألة في المملوك ليس للاحتراز عن الحر ثم رأيت في التتارخانية قال : وذكر هشام عن محمد رحمه الله في محرم أشار في جراد ، ولم يكونوا رأوها إلا من دلالته فأخذوها فعلى الدال بكل جرادة تمرة إلا إن بلغ ذلك دما فعليه دم . ا هـ .

                                                                                        وهذا صريح في الفرق أيضا والظاهر أن مراد المؤلف أنه لم ير الفرق بين قليله الواجب فيه التصدق بما شاء وبين كثيره الواجب فيه نصف صاع هل ما فوق الثلاثة كما في القمل أو لا ويدل على هذا قوله : فينبغي إلخ فلا استدراك ، وقد راجعته فلم أره .




                                                                                        الخدمات العلمية