( قوله : تصدق بما شاء ) أما وجوب الصدقة بقتل القملة فلأنها متولدة من التفث الذي على البدن والمحرم ممنوع من إزالته بمنزلة إزالة الشعر حتى لو وبقتل قملة وجرادة فإنه لا شيء عليه أو قتلها من بدن غيره فكذلك كما في الظهيرية وغيرها ، وفي المحيط ويكره قتل ما على الأرض من القمل ، وما تصدق به فهو خير منها أطلق في قتل القملة فشمل ما إذا كان مباشرة أو تسببا لكن يشترط في الثاني القصد كما قدمناه فعليه الجزاء لو قتل القملة كالصيد ، ولا شيء عليه لو لم يقصد ذلك كما لو وضع ثيابه في الشمس ليقتل حر الشمس القمل كذا في غاية البيان ، وقد علم من كلامه أن القمل كالصيد فأفاد أن الدلالة موجبة فيها فلو أشار غسل ثوبه فمات القمل وجب الجزاء ، وعلم من التعليل أن إلقاء القملة كالقتل ; لأن الموجب إزالتها عن البدن لا خصوص القتل كما صرح به المحرم إلى قملة على بدنه فقتلها الحلال الإسبيجابي وغيره ، وأراد بالقملة القليل منه ; لأن الكثير منه جزاء قتله صدقة معينة ، وهي نصف صاع لا التصدق بما شاء . وظاهر كلام الإسبيجابي أن ما زاد على الثلاث كثير ، وكلام قاضي خان أن العشرة فما فوقها كثير واقتصر شراح الهداية على الأول فكان هو المذهب ، وأما وجوبها بقتل الجرادة فلأن الجراد من صيد البر فإن الصيد ما لا يمكن أخذه إلا بحيلة ويقصده الآخذ ، وقال : رضي الله عنه تمرة خير من جرادة فأوجبها على من قتل جرادة كما رواه عمر في الموطإ وتبعه أصحاب المذاهب . مالك
أما ما في سنن أبي داود والترمذي عن قال : { أبي هريرة } فقد أجاب خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة أو غزوة فاستقبلنا رجل من جراد فجعلنا نضربه بأسيافنا ، وقسينا فقال : صلى الله عليه وسلم كلوه فإنه من صيد البحر النووي رحمه الله في شرح المهذب بأن الحفاظ اتفقوا على تضعيفه لضعف أبي المهزم ، وهو بضم الميم ، وكسر الزاي ، وفتح الهاء بينهما ، واسمه يزيد بن سفيان ، وفي رواية لأبي داود عن أبي رافع عن [ ص: 38 ] قال أبي هريرة وغيره : البيهقي ميمون غير معروف . ا هـ .
فليس هنا حديث ثابت فثبت أنه من صيد البر بإيجاب الجزاء فيه بحضرة الصحابة ، وقد روى عمر بسند صحيح عن البيهقي أنه قال : في الجراد قبضة من طعام ، ولم أر من تكلم على الفرق بين الجراد القليل والكثير كالقمل وينبغي أن يكون كالقمل ففي الثلاث ، وما دونها يتصدق بما شاء ، وفي الأربع فأكثر يتصدق بنصف صاع ، وفي المحيط مملوك أصاب جرادة في إحرامه إن صام يوما فقد زاد ، وإن شاء جمعها حتى تصير عدة جرادات فيصوم يوما . ا هـ . ابن عباس
وينبغي أن يكون القمل كذلك في حق العبد لما علم أن العبد لا يكفر إلا بالصوم ثم أطلق المصنف رحمه الله في الصدقة ; لأنه لم يذكر في ظاهر الرواية مقدارها ، وفي رواية الحسن عن أنه يطعم في الواحدة كسرة ، وفي الاثنين أو الثلاثة قبضة من الطعام ، وفي الأكثر نصف صاع كذا ذكره أبي حنيفة الإسبيجابي .