( قوله : ونجسها منذ ثلاث فأرة منتفخة جهل وقت وقوعها ، وإلا مذ يوم وليلة ) أي نجس البئر منذ ثلاثة أيام بلياليها فأرة ميتة منتفخة لا يدرى وقت وقوعها ، وإن لم تكن منتفخة نجسها مذ يوم وليلة قال المصنف في المستصفى أي مذ ثلاث ليال إذ لو أريد به الأيام لقال مذ ثلاثة لكن الليالي تنتظم ما بإزائها من الأيام كما أن الأيام تنتظم ما بإزائها من الليالي كقوله تعالى { أربعة أشهر وعشرا } أي وعشر ليال بأيامها ا هـ .
فعلم أنه لا حاجة إلى ما ذكره الزيلعي هنا اعلم أن البئر تنجس من وقت وقوع الحيوان الذي وجد ميتا فيها إن علم ذلك الوقت ، وإن لم يعلم فقد صار الماء مشكوكا في طهارته ونجاسته فإذا توضئوا منها وهم متوضئون أو غسلوا ثيابهم من غير نجاسة ، فإنهم لا يعيدون إجماعا ; لأن الطهارة لا تبطل بالشك ، وإن توضئوا منها وهم محدثون أو اغتسلوا من جنابة أو غسلوا ثيابهم عن نجاسة ففي الثالث لا يعيدون ، وإنما يلزمهم غسلها على الصحيح ويحكم بنجاستها في الحال من غير إسناد لأنه من باب وجود النجاسة في الثوب ومن وجد في ثوبه نجاسة أكثر من قدر الدرهم ولم يدر متى أصابته لا يعيد شيئا من صلاته بالاتفاق ، وهو الصحيح كذا في المحيط والتبيين وتعقبه شارح منية المصلي بأنه إذا كان يلزمهم غسلها لكونها مغسولة بماء البئر فيما تقدم حال العلم باشتمال البئر على الفأرة بدون يوم وليلة أو بدون ثلاثة أيام [ ص: 131 ] كيف يكون الحكم بنجاسة الثياب من باب الاقتصار على التنجس في الحال لا مستندا إلى ما تقدم فلا يتجه هذا على قوله ; لأنه يوجب مع الغسل الإعادة لا على قولهما لأنهما لا يوجبان غسل الثوب أصلا ا هـ .
وفي الأول والثاني خلاف فعند أبي حنيفة التفصيل المذكور في الكتاب وقالا يحكم بنجاستها وقت العلم بها ولا يلزمهم إعادة شيء من الصلوات ولا غسل ما أصابه ماؤها قبل العلم ، وهو القياس ; لأن اليقين لا يزول بالشك ; لأنا نتيقن بطهارتها فيما مضى وقد شك في النجاسة لاحتمال أنها ماتت في غير البئر ثم ألقتها الريح العاصف فيها أو بعض السفهاء أو الصبيان أو بعض الطيور كما حكي عن أبي يوسف أنه كان يقول بقوله إلى أن رأى حدأة في منقارها فأرة ميتة فألقتها في البئر فرجع عن قوله إلى هذا القول وقياسا على النجاسة إذا وجدها في ثوبه وعلى ما إذا رأت المرأة في كرسفها دما ولا تدري متى نزل وعلى ما لو مات المسلم وله امرأة نصرانية فجاءت مسلمة بعد موته وقالت أسلمت قبل موته وقالت الورثة بعده فالقول لهم والجامع بينهما أن الحادث يضاف إلى أقرب أوقاته ولأبي حنيفة ، وهو الاستحسان أن الإحالة على السبب الظاهر واجب عند خفاء المسبب والكون في الماء قد تحقق ، وهو سبب ظاهر للموت والموت فيه في نفس الأمر قد خفي فيجب اعتباره مات فيه إحالة على السبب الظاهر عند خفاء المسبب دون الموهوم ، وهو الموت بسبب آخر كمن جرح إنسانا ولم يزل مصاحب الفراش حتى مات يضاف موته إلى الجرح حتى يجب القصاص ، وإن احتمل موته بسبب آخر وكذا إذا وجد قتيل في محلة يضاف القتل إلى أهلها حتى تجب القسامة والدية عليهم
وإن احتمل أنه قتل في موضع آخر غير أن الانتفاخ دليل التقادم فيقدر بالثلاث ولهذا يصلى على القبر إلى ثلاث أيام على ما قيل وعدم الانتفاخ دليل قرب العهد فقدرناه بيوم وليلة لأن ما دون ذلك ساعات لا يمكن ضبطها لتفاوتها ، وأما مسألة النجاسة فقد قال المعلى بن منصور الرازي تلميذهما أنها على الخلاف ، فإن كانت يابسة يعيد صلاة ثلاثة أيام ، وإن كانت طرية يعيد صلاة يوم وليلة عنده فلا يحتاج إلى الفرق ، ولو سلم أنها على الوفاق كما قدمنا أنه الأصح فالفرق له واضح ، وهو أن الثوب بمرأى عينه يقع عليه بصره فلو كانت النجاسة أصابته قبل ذلك لعلم بها بخلاف البئر فإنها غائبة عن بصره فلا يصح القياس وما ذكره المعلى رحمه الله كونه رواية عن الإمام ، وهو ظاهر ما ذكره القاضي الإسبيجابي وصاحب البدائع ويحتمل أنه تفقه منه بطريق القياس على مسألة البئر ، وهو ظاهر ما في المحيط ، وهو الحق فقد قال الحاكم الشهيد إن المعلى [ ص: 132 ] قال ذلك من دأب نفسه
وأما مسألة الميراث فالمرأة محتاجة إلى الاستحقاق والظاهر لا يصلح حجة لها وإنما يصلح للدفع والورثة هم الدافعون وفي المجتبى وحكم ما عجن به حكم الوضوء والغسل ، وكان الصباغي يفتي بقول أبي حنيفة فيما تعلق بالصلاة وبقولهما فيما سواه كذا في معراج الدراية وفي غاية البيان وما قاله أبو حنيفة احتياط في أمر العبادة وما قالاه عمل باليقين ورفق بالناس وفي تصحيح الشيخ قاسم رحمه الله وفي فتاوى العتابي المختار قولهما قلت هو المخالف لعامة الكتب فقد رجح دليله في كثير من الكتب وقالوا إنه الاحتياط فكان العمل عليه وذكر الإسبيجابي أن ما عجن به قال بعضهم يلقى إلى الكلاب وقال بعضهم يعلف المواشي وقال بعضهم يباع من شافعي المذهب أو داودي المذهب ا هـ .
واختار الأول في البدائع وجزم به بصيغة قال مشايخنا يطعم للكلاب .
[ ص: 130 ]


