الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : وحرم رعي حشيش الحرم ، وقطعه إلا الإذخر ) لإطلاق الحديث { ، ولا يختلى خلاها } ; لأنه لا فرق بين القطع بالمناجل والمشافر والمنجل ما يحصد به الزرع والمشفر للبعير كالحجلة من الفرس والشفة من الإنسان وجوز أبو يوسف رعيه لمكان الحرج في حق الزائرين والمقيمين ، وأجابا بمنع الحرج ; لأن الحمل من الحل متيسر ، ولئن كان فيه حرج فلا يعتبر ; لأن الحرج إنما يعتبر في موضع لا نص عليه ، وأما مع النص بخلافه فلا ، وأما الإذخر فهو نبت معروف بمكة ، وقد استثناه عليه الصلاة والسلام بالتماس العباس كما عرف في الصحيح وذكر في البدائع ثلاثة أوجه : الأول أنه عليه الصلاة والسلام كان في قلبه هذا الاستثناء إلا أن العباس سبقه فأظهر النبي صلى الله عليه وسلم بلسانه ما كان في قلبه . الثاني يحتمل أن الله تعالى أمره أن يخبر بتحريم كل خلا مكة إلا ما يستثنيه العباس وذلك غير ممتنع . الثالث يحتمل أنه عليه الصلاة والسلام عمم المنع فلما سأله العباس جاءه جبريل برخصة الإذخر فاستثناه ، وهو استثناء صورة تخصيص معنى والتخصيص المتراخي عن العام نسخ عندنا والنسخ قبل التمكن من الفعل بعد التمكن من الاعتقاد جائز عندنا . ا هـ .

                                                                                        وقيد بالحشيش ; لأن الكماة من الحرم يجوز أخذها ; لأنها ليست من نبات الأرض ، وإنما هي مودعة فيها ; ولأنها لا تنمو ، ولا تبقى فأشبهت اليابس من النبات ، وأشار المصنف بذكر صيد الحرم وشجره وحشيشه إلى أنه لا بأس بإخراج حجارة الحرم وترابه إلى الحل ; لأنه يجوز استعماله في الحرم ففي الحل أولى كذا في المحيط وغيره ، وكذلك يجوز نقل ماء زمزم إلى سائر البلاد للعلة المذكورة ، وأما ثياب الكعبة فنقل أئمتنا أنه لا يجوز بيعها ، ولا شراؤها ( ثياب الكعبة ) لكن الواقع الآن أن الإمام أذن في إعطائها لبني شيبة عند التجديد وللإمام ذلك فأئمتنا إنما منعوا من بيعها ; لأنها مال بيت المال ، ولا شك أن التصرف فيه للإمام فحيث جعله عطاء لقوم مخصوصين فإن البيع جائز ، وهكذا اختاره الإمام النووي في شرح المهذب فقال : إن الأمر فيها إلى الإمام يصرفها في بعض مصارف بيت المال بيعا ، وعطاء لما رواه الأزرقي أن عمر رضي الله عنه كان ينزع كسوة البيت كل سنة فيقسمها على الحاج ; ولأنه لو لم يجز التصرف في كسوتها لتلفت بطول الزمان قال : ابن عباس وعائشة تباع كسوتها ويجعل ثمنها في سبيل الله والمساكين وابن السبيل ، ولا بأس أن يلبس كسوتها من صارت إليه من حائض وجنب [ ص: 48 ] وغيرهما ثم قال النووي : لا يجوز أخذ شيء من طيب الكعبة لا للتبرك ، ولا لغيره ، ومن أخذ شيئا منه لزمه رده إليها فإن أراد التبرك أتى بطيب من عنده فمسحها به ثم أخذه ا هـ .

                                                                                        [ ص: 47 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 47 ] ( قوله : وأجابا بمنع الحرج إلخ ) قال في البرهان ولقائل أن يقول إن احتياج أهل مكة إلى حشيش الحرم لدوابهم فوق احتياجهم إلى الإذخر لعدم انفكاكها منه ، وأمرهم برعيها خارج الحرم في غاية المشقة إذ أقرب حد الحرم جهة التنعيم ، وهو فوق أربعة أميال والجهات الأخر سبعة وثمانية ، وعشرة فلو حرم رعيه لحرج الرعاة كل يوم مانعين لها منه إلى إحدى الجهات في زمن ثم عادوا في مثله ، وقد لا يبقى من النهار وقت ترعى فيه الدواب إلى أن تشبع على أن أصل جعل الحرم إنما كان ليأمن أهله على أنفسهم ، وأموالهم فلو لم يجز لهم رعي حشيشه لخطفوا كغيرهم قال الله تعالى : { أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم } ذكره في معرض الامتنان عليهم حيث كانت العرب حول مكة يغزو بعضهم بعضا يتغاورون ويتناهبون ، وأهل مكة قارون آمنون فيها لا يغزون ، ولا يغار عليهم مع قلتهم ، وفي قوله صلى الله عليه وسلم { لا يختلى خلاها } وقوله ، { ولا يعضد شوكها } وسكوته عن نفي الرعي إشارة في جوازه ، ولو كان الرعي مثله لبينه ، ولا مساواة بينهما ليلحق به دلالة إذ القطع فعل من يعقل والرعي فعل العجماء ، وهو جبار ، وعليه عمل الناس ، وليس في النص دلالة على نفي الرعي ليلزم من اعتبار البلوى معارضته بخلاف الاحتشاش الذي قال به ابن أبي ليلى والله أعلم كذا في حاشية المدني عن حاشية شيخه على اللباب .

                                                                                        أقول : وفي اللباب ولا يجوز رعي الحشيش ( في الحرم ) ، ولو ارتعته دابته حالة المشي ( حشيش الحرم ) لا شيء عليه ، ولا يجوز اتخاذ المساويك من أراك الحرم وسائر أشجاره [ ص: 48 ] إذا كان أخضر ا هـ .




                                                                                        الخدمات العلمية