( قوله : وعلى ) بيان لحكم المحصر المآلي فإن له حكمين حاليا ، ومآليا فما تقدم من بعث الشاة حكم الحالي والقضاء إذا تحلل وزال الإحصار حكمه المآلي فإن كان مفردا بالحج فإن حج من سنته فإنه لا يلزمه شيء ، وإلا لزمه قضاؤها ، وعمرة أخرى ; لأنه فائت الحج أطلقه فشمل ما إذا كان الحج فرضا أو نفلا شرع فيه وشمل ما إذا قرن في القضاء أو أفردهما فإنه مخير ; لأنه التزم الأصل لا الوصف ، وأما نية القضاء فإن كان بحج نفل ، وتحولت السنة فهي شرط ، وإن كان بحجة الإسلام فلا ينوي القضاء بل حجة الإسلام ، وإنما لزم القارن عمرة ثانية ; لأنه فائت الحج فلذا لو حج من سنته ، وأتى بهما فإنه لا يلزمه عمرة أخرى ، وأطلقه أيضا فأفاد أن له في القضاء القران ، وإفراد كل واحد من الثلاثة لما قدمناه هكذا صرحوا به هنا ، وممن صرح به صاحب المبسوط والمحيط المحصر بالحج إن تحلل حجة وعمرة ، وعلى المعتمر عمرة ، وعلى القارن حجة ، وعمرتان والولوالجي والمحقق ابن الهمام ويرد عليه ما قالوه في هذا الباب : من أنه إذا زال الإحصار إنما لم يجب عليه أن يأتي بالعمرة التي وجبت عليه بالشروع في القران ; لأنه غير قادر على أدائها على الوجه الذي التزمه ، وهو أن تكون أفعال الحج مرتبة عليها وبفوات الحج يفوت ذلك فإن هذا يقتضي أن ليس له الإفراد ، وأن القران واجب في القضاء ويناقضه ما قالوه في باب الفوات من أن أدى عمرته من سنته ، وأدى الحج من سنة أخرى ; لأنها لا تفوت ، ولا شك أن المحصر فائت للحج إذا لم يدركه في سنته والحق هو الأول ; لأن بالشروع التزم أصل القربة لا صفتها ، وهو القران كما لو شرع في التطوع قائما لا يلزمه القيام عند [ ص: 60 ] القارن إذا فاته الحج رحمه الله تعالى . أبي حنيفة
( قوله : فإن توجه ، وإلا لا ) أي إن لم يقدر عليهما لا يلزمه التوجه ، وهي رباعية فإن قدر عليهما لزمه التوجه إلى الحج ، وليس له التحلل بالهدي ; لأنه بدل عن إدراك الحج ، وقد قدر على الأصل قبل حصول المقصود من البدل ، وإن لم يقدر عليهما لا يلزمه التوجه ، وهو ظاهر ، وإن توجه ليتحلل بأفعال العمرة جاز ; لأنه هو الأصل في التحلل ، وفيه فائدة ، وهو سقوط العمرة في القضاء ، وإن كان قارنا فله أن يأتي بالعمرة لما قدمناه من أنه مخير بين القران والإفراد في القضاء والثالث أن يدرك الهدي دون الحج فيتحلل والرابع عكسه فيتحلل أيضا صيانة لماله عن الضياع والأفضل التوجه ، وذكر في الهداية أن هذا التقسيم لا يستقيم على قولهما في المحصر بالحج ; لأن دم الإحصار عندهما يتوقف بيوم النحر فمن يدرك الحج يدرك الهدي . بعث ثم زال الإحصار ، وقدر على الهدي والحج
وإنما يستقيم على قول ، وفي المحصر بالعمرة يستقيم بالاتفاق لعدم توقت الدم بيوم النحر وذكر في الجوهرة أنه يستقيم على الإجماع كما إذا أبي حنيفة بعرفة ، وأمرهم بالذبح قبل طلوع الفجر يوم النحر فزال الإحصار قبل الفجر بحيث يدرك الحج دون الهدي ; لأن الذبح أحصر بمنى . ا هـ .
وجوابه أن الإحصار بعرفة ليس بإحصار لما سيأتي فلو أحصر بمكان قريب من عرفة لاستقام ، وفي المحيط لو جاز وحل به ، وإن لم ينو حتى نحر لم يجز كمن بعث المحصر هديا ثم زال الإحصار وحدث آخر ونوى أن يكون عن الثاني فإنه يجوز ، وإن لم ينو حتى تصدق المأمور لا ، وكذا لو وكل في كفارة يمين فكفر الموكل ثم حنث في يمين آخر فنوى أن يكون ما في يد الوكيل كفارة الثانية ، ولو بعث هديا جزاء صيد ثم أحصر فنوى أن يكون للإحصار جاز ، وعليه بدنة مكان ما أوجب . قلد بدنة ، وأوجبها تطوعا ثم أحصر فنوى أن يكون لإحصاره
وقال : لا يجزئه إلا عن التطوع ; لأنها صارت كالوقف وخرجت عن ملكه عنده فلا يملك صرفها إلى غير تلك الجهة . ا هـ . ( قوله : ولا إحصار بعدما وقف أبو يوسف بعرفة ) ; لأنه لا يتصور الفوات بعده فأمن منه ، وإنما تحقق الإحصار في العمرة ، وإن كانت لا تفوت للزوم الضرر بامتداد الإحرام فوق ما التزمه ، وأما فيمكنه التحلل بالحلق يوم النحر في غير النساء فلا ضرورة إلى التحلل بالدم ثم إن دام الإحصار حتى مضت أيام التشريق فعليه لترك الوقوف المحصر في الحج بعد الوقوف بالمزدلفة دم ولترك الجمار دم ولتأخير الحلق دم ولتأخير الطواف دم في قول ، وقال أبي حنيفة أبو يوسف ليس عليه لتأخير الحلق والطواف شيء كذا في الكافي ومحمد للحاكم الشهيد ، وقد قدمنا عن البدائع وغيره أن واجب الحج إذا تركه بعذر لا شيء عليه حتى لو بالمزدلفة خوف الزحام لا شيء عليه كما لا شيء على الحائض بترك طواف الصدر فلا شك أن الإحصار عذر فلا شيء عليه بترك الواجبات للعذر مع أنه منقول في ترك الوقوف الحاكم كما رأيت ، وهو جمع كلام في كتبه الستة التي هي ظاهر الرواية ، وقد ظهر لي أن كلامهم هنا محمول على الإحصار بسبب العدو لا مطلقا فإنه إذا كان بالمرض فهو سماوي يكون عذرا في ترك الواجبات ، وإن كان من قبل العباد فإنه لا يكون عذرا في إسقاط حق الله تعالى كما قالوه في باب التيمم أن العدو إذا أسروه حتى صلى بالتيمم فإنه يعيدها بالوضوء [ ص: 61 ] إذا أطلق ; لأنه من قبل العباد ثم اختلفوا في محمد بعرفة ) قيل لا يتحلل في مكانه ويدل عليه عبارة الأصل حيث قال : وهو حرام كما هو حتى يطوف طواف الزيارة ، وهو يدل على تأخير الحلق على أن يفعله في تحلل المحصر بعد الوقوف ( الحرم ، وقيل يتحلل في مكانه ويدل عليه عبارة الجامع الصغير حيث قال : وهو محرم على النساء حتى يطوف طواف الزيارة قال العتابي : وهو الأظهر كذا في غاية البيان .
( قوله : ومن بمكة عن الركنين فهو محصر ، وإلا لا ) أي ، وإن قدر على أحدهما فليس بمحصر ; لأنه إذا منع عنهما في منع الحرم فقد تعذر عليه الإتمام فصار كما إذا أحصر في الحل ، وإذا قدر على الطواف فلأن فائت الحج يتحلل به والدم بدل عنه في التحلل ، وأما إن قدر على الوقوف فلما بينا ، وقد قيل في المسألة خلاف بين أبي حنيفة والصحيح ما تقدم من التفصيل كذا في النهاية ، وهو إشارة إلى رد ما في المحيط حيث جعل ما في المختصر من التفصيل رواية النوادر ، وأن ظاهر الرواية أن الإحصار وأبي يوسف بمكة عنهما ليس بإحصار ; لأنه نادر ، ولا عبرة به .