( قوله : ولا فوت لعمرة ) لعدم توقيتها بالإجماع ( قوله : وهي طواف وسعي ) أي أفعال العمرة طواف بالبيت سبعة أشواط وسعي بين الصفا والمروة ، وليس مراده بيان ماهيتها ; لأن ركنها الطواف فقط ، وأما السعي فواجب ، وإنما لم يصرح بوجوبه فيها للعلم به من الحج ; لأن السعي فيه واجب ففي العمرة أولى ، ولم يذكر الإحرام ; لأنه شرط في النسكين حجا كان أو عمرة ، ولم يذكر الحلق ; لأنه محلل مخرج منها ، وهو من واجباتها كما في فتاوى قاضي خان ، وهي في اللغة بمعنى الزيارة يقال اعتمر فلان فلانا إذا زاره ، وفي المغرب أن أصلها القصد إلى مكان عامر ثم غلب على القصد إلى مكان مخصوص .
( قوله : وتصح في السنة ، وتكره يوم عرفة ويوم النحر ، وأيام التشريق ) لما قدمنا أنها لا تتوقف ، وقد { اعتمر صلى الله عليه وسلم أربع عمر في ذي القعدة إلا التي اعتمر مع حجته } كما في صحيح البخاري ثم المراد بالأربعة إحرامه بهن فأما ما تم له منها فثلاث الأولى عمرة الحديبية سنة ست فأحصر بها فنحر الهدي بها وحلق هو وأصحابه ، ورجع إلى المدينة . الثانية عمرة القضاء في العام المقبل ، وهي قضاء عن الحديبية هذا مذهب أبي حنيفة وذهب مالك إلى أنها مستأنفة لا قضاء عنها وتسمية الصحابة وجميع السلف إياها بعمرة القضاء ظاهر في خلافه ، وعدم نقل أنه عليه السلام أمر الذين كانوا معه بالقضاء لا يفيد بل المفيد له نقل العدم لا عدم النقل نعم هو مما يؤنس به في عدم الوقوع ; لأن الظاهر أنه لو كان لنقل لكن ذلك إنما يعتبر لو لم يكن من الثابت ما يوجب القضاء في مثله على العموم فيجب الحكم بعلمهم به ، وقضائها من غير تعيين طريق علمي الثالثة : عمرته التي قرن مع حجته على قولنا أو التي تمتع بها إلى الحج على قول القائلين أنه حج متمتعا أو التي اعتمرها في سفره ذلك على قول القائلين بأنه أفرد واعتمر ، ولا عبرة بالقول الرابع .
الرابعة عمرته من الجعرانة كذا في فتح القدير ، وأطلق في المختصر الكراهة فانصرفت الكراهة إلى كراهة التحريم ; لأنها المحمل عند إطلاقها ويدل عليه ما عن عائشة رضي الله عنها قالت حلت العمرة في السنة كلها إلا أربعة أيام يوم عرفة ويوم النحر ويومان بعد ذلك ، وعن ابن عباس أنها خمسة وذكر ثلاثة أيام التشريق ، وأطلق في كراهتها يوم عرفة فشمل ما قبل الزوال ، وما بعده ، وهو المذهب خلافا لما عن أبي يوسف أنها لا تكره قبل الزوال ، وأفاد بالاقتصار على الخمسة أنها لا تكره في أشهر الحج ، وهو الصحيح عند أهل العلم كما في غاية البيان ، ولا فرق بين المكي والآفاقي واختلفوا في أفضل أوقاتها فبالنظر إلى فعله عليه السلام فأشهر الحج أفضل وبالنظر إلى قوله فرمضان أفضل للحديث الصحيح { عمرة في رمضان تعدل حجة } ، وقد وقع في الينابيع هنا غلط فاجتنبه ، وهو أنه قال : تكره العمرة في خمسة أيام وذكر منها يوم الفطر بدل يوم عرفة كما نبه عليه في غاية السروجي ، وفي فتاوى قاضي خان [ ص: 63 ] تكره العمرة في خمسة أيام لغير القارن . ا هـ .
وهو تقييد حسن وينبغي أن يكون راجعا إلى يوم عرفة لا إلى الخمسة كما لا يخفى ، وأن يلحق المتمتع بالقارن . ( قوله : وهي سنة ) أي العمرة سنة مؤكدة ، وهو الصحيح في المذهب ، وقيل بوجوبها وصححه في الجوهرة واختاره في البدائع ، وقال : إنه مذهب أصحابنا ، ومنهم من أطلق اسم السنة ، وهذا لا ينافي الوجوب . ا هـ .
والظاهر من الرواية ما في المختصر فإن محمدا نص في كتاب الحجر أن العمرة تطوع ، وليس بينهما كبير فرق كما قدمناه مرارا واستدل لها في غاية البيان بما رواه الترمذي وصححه عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم { سئل عن العمرة أواجبة هي قال : لا ، وأن تعتمروا هو أفضل } ، وأما قوله تعالى : { وأتموا الحج والعمرة لله } فالإتمام بعد الشروع ، ولا كلام لنا فيه ; لأن الشروع ملزم ، وكلامنا فيما قبل الشروع والمراد أنها سنة في العمر مرة واحدة فمن أتى بها مرة فقد أقام السنة غير مقيد بوقت غير ما ثبت النهي عنها فيه إلا أنها في رمضان أفضل هذا إذا أفردها فلا ينافيه أن القران أفضل ; لأن ذلك أمر يرجع إلى الحج لا العمرة فالحاصل أن من أراد الإتيان بالعمرة على وجه أفضل فيها ففي رمضان أو الحج على وجه أفضل فبأن يقرن معه عمرة .
ثم اعلم أن للعمرة معنى لغويا ، ومعنى شرعيا وسببا وركنا وشرائط وجوب وشرائط صحة وواجبات وسننا وآدابا ، ومفسدا كالحج ، وقد بينا معناها وركنها وواجباتها ، وأما سببها فالبيت وشرائط وجوبها وصحتها ما هو شرائط الحج إلا الوقت ، وأما سننها وآدابها فما هو سنن الحج وآدابه إلى الفراغ من السعي ، وأما مفسدها فالجماع قبل طواف الأكثر من السبعة كذا في البدائع وغيره ، وقد قدمنا أنه ليس لها طواف الصدر ، وقال الحسن بن زياد يجب عليه .


